ولعلّ آخر هذه الخطوات المثيرة للجدل كان تمديد براءة الذمّة لشركتَي الخليوي من قبل وزير العمل، في إجراءٍ أثار موجة استغراب في أوساط الموظفين الذين يُحرمون من الوصول إلى تعويضاتهم، كما أنّ الحديث المتجدّد عن خصخصة قطاع الاتصالات يوحي باستمرار سياسة التنفيعات، خصوصًا أنّ طرح هذا الملفّ في هذا التوقيت، وعلى مشارف الانتخابات النيابية، يحمل وفق مصادر مطلعة هدفًا انتخابيًا واضحًا، يتمثل في فتح الباب أمام توظيفات جديدة تخدم المصالح الانتخابية للفريق الدافع نحو الخصخصة.
موقف النقابة
في حديثٍ إلى موقع "ليبانون ديبايت"، أوضح نقيب موظفي الخليوي في لبنان مارك عون أنّ الموظفين فوجئوا الأسبوع الماضي بطلب وزير العمل في مجلس الوزراء تمديد براءة الذمة لشركتَي الخليوي MC1 وMC2 دون سائر الشركات الخاصة في لبنان.
وأشار عون إلى أنّ هذا الإجراء يُعتمد عادةً في ظروف استثنائية كفترات الحرب، إلا أنّ الدهشة كانت في مصدر الطلب، إذ من المنطقي أن يصدر عن وزير الاتصالات، وليس عن وزير العمل الذي يُفترض أن يكون مؤتمنًا على مصالح العمال.
واعتبر أنّ هذا القرار يضرب مصالح الموظفين ويحرمهم من تعويضاتهم المستحقّة، وتساءل عون عن دوافع هذا التمديد في هذا التوقيت تحديدًا، كاشفًا عن خلفيات الموضوع، حيث إنّ شركتَي الخليوي تحتاجان إلى براءة ذمّة لشراء معدات جديدة، غير أنّ الضمان الاجتماعي رفض منحها بعد أن كان وزير الاتصالات السابق جوني القرم قد أوقف تعويضات الضمان للموظفين، لتفادي تحميل الشركتين أعباء مالية إضافية.
وأوضح أنّ الوزير السابق مارس الاستنسابية عندما توسّط لسبعة موظفين حصلوا على تعويضاتهم على أساس سعر صرف 89 ألف ليرة كاملة، ثم أقفل باب التعويضات أمام سائر الموظفين.
استمرار الأزمة وتفاقمها
ويُضيف عون أنّ الوزير الحالي ورث هذا الملفّ عن سلفه، ما جعل الوضع يستمرّ كما هو عليه، الأمر الذي دفع الموظفين إلى تقديم شكوى ضدّ الضمان الاجتماعي، الذي بادر بدوره إلى توقيف براءة الذمّة للشركتين.
ويقول عون إنّه بدلًا من أن يُجبر وزير العمل الشركتين على دفع مستحقاتهما للضمان لتمكينه من تسديد التعويضات للموظفين، قام بطلب تمديد براءة الذمّة لهما لمدة سنة إضافية، في خطوة تُعتبر تجاوزًا واضحًا للضمان وحقوق العمال.
ويُحذّر من أنّ هذا القرار قد يشكّل سابقة خطيرة، إذ يمكن أن ينسحب لاحقًا على سائر الشركات الخاصة التي تدّعي عدم قدرتها على دفع التعويضات، فيُصار إلى تمديد براءة الذمّة لها أيضًا، ما يُحوّل هذه البراءة من وسيلة ضغط على أصحاب العمل إلى أداة لحمايتهم وتشجيعهم على التهرّب من واجباتهم، بدعمٍ من وزير العمل نفسه.
ويلفت عون إلى أنّه منذ عام 2020 لم تُجدّد براءة ذمّة بهذه الطريقة، مؤكدًا أنّ كافة موظفي الشركتين مهدّدون بخسارة تعويضاتهم لدى الضمان. وأبدى أسفه لأنّ بعض الموظفين خسروا حياتهم قبل أن ينالوا حقوقهم، ما ترك عائلاتهم بحاجة ماسة لهذه التعويضات التي أوقفها القرار الوزاري.
التحرّك المطلوب ومخاطر الخصخصة
وعن التحرّكات الجارية، أوضح عون أنّ النقابة تطالب وزير الاتصالات بإعادة العمل بتعويضات الضمان، وتسعى من خلال المسارات القانونية لإيجاد حلول تضمن حقوق الموظفين. كما أشار إلى أنّ رئيس الاتحاد العمالي العام يتحرّك بدوره في هذا الاتجاه، نظرًا إلى أنّ هذه السابقة تهدّد جميع العمال في لبنان.
وكشف عون عن طرح بند على جدول أعمال مجلس الوزراء لفتح دفتر شروط من أجل خصخصة قطاع الاتصالات، متسائلًا عن الأسباب التي تدفع إلى هذه الخطوة، خصوصًا أنّ القطاع لم يتوقّف عن العمل منذ عام 2020 رغم كل الأزمات، من جائحة كورونا إلى الثورة والانفجارات والانهيارات الاقتصادية، بل استمرّ في أداء مهامه بشكلٍ كامل، حتى أنّ الشركات الخاصة في لبنان اعتمدت على خدمات شركتَي الخليوي لضمان استمراريتها.
وتساءل عون: "إذا كان القطاع يعمل بكفاءة رغم كل الظروف، فما هي الحجّة للخصخصة اليوم؟"، معتبرًا أنّ تداعيات هذا القرار لن تقتصر على الموظفين فقط، بل ستطال كل اللبنانيين.
وختم كاشفًا أنّ النقابة تتواصل مع وزير الاتصالات للتأكيد على استمرارية عمل الموظفين الحاليين في الشركتين، مشددًا على أنّها لن تكتفي بالوعود الشفوية، بل تطالب بنصوص مكتوبة ترعى مصالحهم وتضمن انتقالهم تلقائيًا إلى الشركات التي ستتولى إدارة القطاع، لافتًا إلى اجتماعٍ يُعقد اليوم مع إدارة شركة "تاتش" لمتابعة هذا الملف.