قال أندرو لاثام، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "ماكالستر كوليدج" وزميل مركز Defense Priorities، إن خطة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" تقوم على خريطة طريق من ثلاث مراحل مترابطة، تبدأ بوقف القتال وتبادل الأسرى، ثم الانتقال إلى نزع سلاح الحركة، لتنتهي بمرحلة إعادة الإعمار وتشكيل إدارة جديدة لقطاع غزة.
ووفق مقاله المنشور في مجلة "ناشونال سيكيورتي جورنال"، فإن المرحلة الأولى سارت بسلاسة لأنها كانت ذات طبيعة تبادلية واضحة وسريعة التنفيذ، إذ أُطلق سراح 20 إسرائيلياً مقابل نحو 2000 أسير فلسطيني، مع إعادة تدفق المساعدات الإنسانية، وتم ذلك تحت إشراف مباشر من الوسطاء ما جعل العملية شفافة وسريعة.
لكن لاثام يرى أن ما تحقق حتى الآن لا يتجاوز "الجزء السهل" من الخطة، لأن المرحلتين الثانية والثالثة تحملان التعقيدات الكبرى، إذ تتطلب الأولى نزع سلاح "حماس" بشكل موثّق وفرض رقابة على الأنفاق ومنع أي تهريب أو تصنيع يمكن أن يعيد إنتاج القدرات العسكرية. ويشير إلى أن الحركة أعلنت بوضوح أن ملف السلاح "غير قابل للنقاش"، ما يعني أن تنفيذ هذه المرحلة دون آليات ردع فورية وعقوبات تلقائية سيجعلها مجرد نص تفاوضي بلا مفاعيل حقيقية.
أما في ما يخص مرحلة الحكم، فيوضح الكاتب أن الخطة المطروحة تتحدث عن إدارة انتقالية بقيادة تكنوقراط بإشراف مجلس دولي للسلام يضع غزة على مسار سياسي جديد، مع وعود مستقبلية بدولة فلسطينية. لكنه يحذر من فجوة الشرعية، لأن السؤال الجوهري هو: من يحكم غزة على الأرض؟ وهل يمكن لإدارة تكنوقراطية أن تمارس دورها بفعالية في ظل بقاء الهياكل المالية والأمنية لـ"حماس" قائمة في الظل؟ كما يلفت إلى أن شروط المانحين – مثل صرف التمويل على دفعات ومراقبة كل عملية إنفاق – قد تجعل الغزيين يشعرون بأنهم تحت "وصاية مالية دولية"، ما يزيد التوتر بدل تثبيت الاستقرار.
ويحدد لاثام ثلاثة أطراف قادرة على تعطيل التنفيذ: "حماس" التي ستسعى للحفاظ على نفوذها من خلال شبكات موازية ورواتب سرية وتحركات ميدانية محدودة لقياس رد الفعل، واليمين الإسرائيلي الذي يعمل على منع أي سيناريو يقود إلى دولة فلسطينية من خلال الضغط السياسي وتشريع قوانين تعيق نقل الصلاحيات وتوسيع المستوطنات لخلق وقائع تمنع التنازل، وإيران التي تحاول إبقاء إسرائيل في حالة استنزاف دائمة عبر وكلائها الإقليميين من الجنوب اللبناني إلى البحر الأحمر وسوريا والعراق، لضمان أن غزة لا تدخل في حالة استقرار طويل يمنح خصومها فرصة للتحرك السياسي.
ويرى الكاتب أن النجاح لا يتحقق بالبيانات السياسية بل بـ"رقابة يومية حقيقية"، تشمل مفتشين دائمين على المخازن والأنفاق، ونظام تدقيق مالي إلكتروني يعتمد بصمة بيومترية للرواتب لمنع تسرب الأموال، إلى جانب تجميد فوري لأي تمويل عند أول خرق من أي طرف. ويصف هذا النهج بأنه "سلام تحققي" يعتمد على المراقبة قبل الثقة، بعكس اتفاقات سابقة بنيت على النوايا فانهارت سريعاً.
ويخلص لاثام إلى أن وقف الحرب الكبرى تحقق مؤقتاً، لكن بناء غزة جديدة بلا سلاح وغير خاضعة لسلطة عسكرية موازية يتطلب سنوات من المتابعة الدقيقة والعقوبات الفورية، محذراً من العودة إلى "هدنة بلا دولة" تعيد إنتاج العنف عند أول أزمة، ما لم يتحول التحقق إلى جزء من السياسة لا مجرد بند في الاتفاق.