مصادر سياسية مطلعة أوضحت لـ"ليبانون ديبايت" أنّ ما قصده الرئيس بري لا يرتبط بالمبادرة التي طرحها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مؤخرًا، بل بإشارة إلى مبادرة سابقة كان قد حملها توماس برّاك إلى لبنان، حيث وافق الجانب اللبناني عليها، فيما رفضتها إسرائيل، ما أدى إلى سقوطها قبل أن تولد فعليًا.
وبالتالي، تؤكد المصادر أنّ موقف بري لا يُعتبر نسفًا لمبادرة الرئيس عون، بل توصيفًا لواقع المفاوضات وتعثرها بفعل الرفض الإسرائيلي المتكرر لأي صيغة تضمن حقوق لبنان وحدوده.
خلاف على الآلية لا على المبدأ
لا على المبدأ تلفت المصادر إلى أنّ الخلاف الداخلي لا يتمحور حول مبدأ التفاوض بحد ذاته، بل حول الآلية التي يجب أن تُعتمد. فالرئيس بري يصرّ على أن يكون التفاوض غير مباشر عبر الآلية التي اعتمدت سابقًا خلال مفاوضات الترسيم البحري، انطلاقًا من التزامات لبنان باتفاقات سابقة لم تُنفذ إسرائيل بنودها.
في المقابل، يرى آخرون أن اللحظة السياسية تستدعي مقاربة أكثر مرونة، خصوصًا مع ضيق الوقت والضغوط الأميركية المتزايدة لتحديد مسار واضح قبل نهاية العام الحالي. ويشبّه أحد المصادر المشهد بـ"العريس الذي اتفق مع والد العروس على الزفاف، بانتظار موافقة العروس"، في إشارة رمزية إلى أن التفاهم السياسي قائم من حيث المبدأ، لكن القرار النهائي لا يزال معلقًا بانتظار التوافق الكامل على الصيغة التنفيذية للمفاوضات.
سلام يطرح نموذج الترسيم... وعون يسابق الوقت
وبحسب المعلومات، فإن رئيس الحكومة نواف سلام هو من أعاد طرح فكرة التفاوض وفق النموذج الذي جرى خلال اتفاق الترسيم البحري، في حين يحاول الرئيس عون تقريب وجهات النظر بين مختلف القوى السياسية لتوحيد الموقف اللبناني.
الرئيس عون، بحسب المطلعين، يسعى إلى بلورة آلية داخلية موحدة تحصّن الموقف الرسمي عند أي طرح خارجي مستقبلي يهدف إلى إنهاء حالة الحرب والاحتلال، مع التأكيد على ثوابت السيادة ورفض التطبيع المجاني.
ووفق المصادر نفسها، عون يدرك أنّ الوقت يضيق أمام لبنان، لا سيما أن الوسيط الأميركي سبق أن حدّد نهاية السنة كمهلة لمراجعة المواقف، في حين تواصل إسرائيل تصعيدها الميداني على الحدود، ما يجعل أي تأخير إضافي مكلفًا سياسيًا وأمنيًا.
رسائل إسرائيلية من الجوّ؟
وفي موازاة ذلك، توقف مراقبون عند تحليق الطائرات المسيّرة الإسرائيلية فوق قصر بعبدا، معتبرين أن هذا التصرف لا يخلو من دلالات سياسية ورسائل مباشرة، فهل أرادت إسرائيل بذلك الردّ على مبادرة الرئيس عون؟ ترى بعض الأوساط أن هذا السلوك يعكس رفضًا إسرائيليًا ضمنيًا لأي مفاوضات جدّية، إذ تتصرف تل أبيب من موقع "المتفوق والممسك بالأرض"، وتتعاطى مع لبنان بلغة المنتصر، ما يجعلها غير معنية بأي اتفاق لا يُلبّي شروطها.
وبحسب هذه القراءة، فإن إسرائيل تسعى إلى فرض معادلة جديدة تُحوّل لبنان إلى منطقة نفوذ تابعة أو "حديقة خلفية لإسرائيل الكبرى"، وهو ما يفسّر تصلبها السياسي وتجاهلها لأي مبادرة لبنانية أو دولية لا تتوافق مع رؤيتها الأمنية والجيوسياسية.
في المحصلة، يظهر أن المشهد اللبناني حيال ملف التفاوض مع إسرائيل لا يزال ضبابيًا، تتقاطع فيه الحسابات الداخلية بالضغوط الخارجية، ويطغى عليه التباين بين من يدعو إلى تفعيل المبادرات الدبلوماسية وبين من يحذر من الانزلاق إلى تنازلات غير محسوبة، أما الثابت الوحيد، فهو أن القرار الإسرائيلي لا يزال حجر العثرة الأساسي أمام أي تقدم، فيما يحاول لبنان، عبر مؤسساته السياسية والعسكرية، تثبيت معادلة تحفظ حقه وتمنع فرض الشروط عليه.