وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد أن ما يقوم به برّاك ليس جديدًا على الأسلوب الأميركي المعتمد في التعامل مع الملفات اللبنانية، مشيرًا إلى أن ما يجري يدخل ضمن سياسة الضغط والتهويل المعتادة لانتزاع تنازلات وتوجيه المسار السياسي نحو ما تريده واشنطن.
يقول أبو زيد في حديث الى "ليبانون ديبايت"، إن الموفد الأميركي توماس برّاك "طالما عوّدنا على التهويل والضغط"، فهو من جهة يمارس ضغوطًا مكثفة لدفع لبنان إلى القبول بالحلول التي يريدها الأميركي، ومن جهة ثانية تجري مفاوضات سرّية تحت الطاولة لإيجاد مخارج وحلول للوضع القائم.
ويضيف أن الوفود الأميركية "اعتادت على توزيع الأدوار"، بحيث يكون من بينهم مندوب متشدد في الطرح، يقابله دبلوماسي أكثر ليونة وتجاوبًا، ما يجعل المشهد العام مزيجًا من الرسائل المزدوجة المقصود منها إبقاء كل الخيارات مفتوحة. وبرأي أبو زيد، لا يبدو أن الأمور تتجه في مسار واحد، بل تبقى الخيارات الأخرى قابلة للتسييل في فرن التسويات، لأن لا مصلحة لأي طرف بانزلاق الأوضاع نحو حرب واسعة أو مواجهة شاملة في المنطقة.
ويصف أبو زيد كلام برّاك الأخير بأنه تهويلي بامتياز، ويهدف إلى تسريع الحل عبر الضغط السياسي والإعلامي، لكنه يلفت إلى أن "الضغط وحده لا يكفي"، إذ يحتاج الأميركي إلى مساندة الدولة اللبنانية والجيش اللبناني لتمكينهما من القيام بمهامهما، خصوصًا بعد تثبيت وقف إطلاق النار بشكل جدي على الحدود.
وفي قراءته لموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، يرى أبو زيد أن موقف الأخير كان واضحًا: فهو ليس ضد المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، لكنه يربطها بوقف إطلاق النار وإعطاء مهلة زمنية للوصول إلى حل شامل.
ويشير إلى أن من مصلحة إسرائيل أيضًا الدخول في مفاوضات تؤدي إلى حل متكامل مع لبنان بدل الاكتفاء بتسويات جزئية ظرفية. ويضيف أن الطرح اللبناني، رغم اختلاف المواقف، يحظى بدعم من أطراف أساسية داخل الدولة تؤيد المفاوضات غير المباشرة كمدخل لحل شامل، لافتًا إلى أن الآلية التفاوضية لا تشكل إشكالًا جوهريًا، خصوصًا أن "حزب الله كلف الرئيس نبيه بري بإدارة الملف، وبري أبدى إيجابية في هذا الاتجاه وتواصل مع رئيس الجمهورية موحيًا باستعداده للمضي قدمًا".
وإذ يتساءل أبو زيد كيف يمكن الذهاب إلى مفاوضات غير مباشرة في ظل استمرار القصف والانتهاكات، فانه يرى وجوب حصول لبنان على ضمانات مقابلة، مشددًا على أن رئيس الجمهورية يحتاج إلى دعم سياسي ودبلوماسي لتثبيت وقف إطلاق النار، كي يتمكن من إطلاق مسار تفاوضي فعّال، قد يشكل بوابة للحل الشامل الذي ينتظره الجميع.
أما في ما يتعلق باحتمال اندلاع حرب إسرائيلية واسعة على لبنان، فيرى أبو زيد أن السيناريوهات متعددة، إلا أن الولايات المتحدة لا تبدو راغبة في التصعيد في هذه المرحلة، معتبرًا أن واشنطن تسعى إلى احتواء الأزمة في الشرق الأوسط لتتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى، وعلى رأسها الصين، باعتبارها المنافس الاستراتيجي الأول لها.
ويشير إلى أن الأميركيين "حاولوا إنهاء حرب غزة، ولن يسمحوا بانهيار الوضع في لبنان بما ينعكس سلبًا على غزة والملف الفلسطيني ككل"، لأن ذلك من شأنه أن يفقدهم المصداقية كوسطاء أمام حلفائهم العرب والمجتمع الدولي.
ويختم أبو زيد إلى أن لبنان، من خلال انفتاحه على المفاوضات غير المباشرة، يفتح الباب أمام حل أشمل طال انتظاره، مؤكدًا أن هذه الخطوة "لم يكن أحد يتوقع أن يقدم عليها لبنان بهذه السرعة"، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستفوتان هذه الفرصة أم ستتعاطيان بإيجابية من أجل حل سياسي أوسع من مجرد وقف لإطلاق النار.