ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، أكد فيها أن مراد الله في عباده هو الوحدة والتكافل، قائلاً: "أنتم جسد واحد وأمن واحد، وحاضر ومستقبل واحد، وعائلة واحدة ومصير واحد، وأنتم مشروع إنساني ومجتمعي وأخلاقي وأمني وإنتاجي واستهلاكي واحد. لذلك صرّح الله تعالى بأن على أهل المال والثروات والإمكانات ما يكفي الفقراء من كل ما يحتاجونه، ودون ذلك لن يقبلهم الله بسلك أهل الإيمان..."، مضيفاً أن "الدين معاملة ونزاهة ووعي وتضامن، وهو سخاء ونخوة وحمية وشراكة هموم ومبادرات خيرية وسؤال عن الإخوان ومعرفة ما يلزمهم وما يحتاجونه".
وشدد على أن "التضامن وتوحيد الجهود هنا من أعظم فرائض الله سبحانه وتعالى، بل لا يُطاع الله إلا بالتضامن على الحقّ، ولا سيّما هذا الحق المجتمعي، وتلك أعظم أهداف الله بخلقه وعياله".
وفي الشأن السياسي، قال المفتي قبلان إنّ "ما تقوم به إسرائيل من غارات وقتل وعدوان على الجنوب والبقاع لن يزيدنا إلا تمسكاً بالضامن المقاوم، وهو نفسه الذي يحسم ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة كأساس لا بديل عنه في الدفاع والسيادة الوطنية، ويؤكد لكل اللبنانيين أن البديل معدوم، وأن السلطة السياسية ومشاريعها وديبلوماسيتها في كوكب آخر، والأخطر هو التنكر السياسي الواضح رغم أن البلد شراكة تأسيسية وميثاقية وسيادية وصيغة حكم وطني تضامني شامل".
وأردف قبلان، "القضية ليست الجنوب أو البقاع بل كل لبنان بمصالحه، وسط سنة حكومية فاشلة وتخبط هائل ونزعات صادمة في مواقفها ونواياها وأولوياتها الغريبة. واللحظة للحديث عن لبنان لا عن بديله، عن الأمن والسيادة والسياسة الوطنية والتضحيات الجنوبية والبقاعية التي أشبعت هذا البلد ديوناً سيادية طيلة نصف قرن، ومع ذلك تُقابل بالجفاء والاستهتار، وأحياناً بالكيدية والتشفي، وأكثر الملامة تطال من غرفوا طويلاً من انتصارات هذا البلد سيادياً، ثم أخذهم الصمت المريب أو ابتلعتهم المواقف المضادة للوطنية".
وتابع، "تحت ضغوط العدوان والغارات ونمط الخيارات السياسية للبعض، أؤكد من جديد أنه لا بديل عن لبنان الحرّ السيد المستقلّ، وخيارنا المقاومة والجيش كأساس وجودي للبنان، وكل ما دون ذلك نفاق وفشل ونحر للبنان. والتهديد بالحرب والتهويل إنما يؤثر بغيرنا لا فينا، ولن نتراجع عن حماية لبنان وتأكيد ما يصلح لقوته الداخلية وقدراته الوطنية والدفاعية. والمطلوب من السلطة السياسية أن تقرأ بعين لبنان لا بعين واشنطن، وأن تحمي مصالح لبنان لا مصالح إسرائيل، فالبعض يريد أن يعطي الإسرائيلي ما لم يستطعه بأخطر حروبه، وهذا خيانة وطنية".
وأكد المفتي قبلان، أن "لن تكون هناك مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وإلا ضاع البلد، ولن نعترف بشرعية وجود الكيان الإرهابي الإسرائيلي حتى لو اعترف به كل العالم".
وتوجه إلى القوى السياسية قائلاً: "إن حماية لبنان انتخابياً هي أكبر الضرورات الوطنية التأسيسية، ولعبة العزل الطائفي مكشوفة، ومبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحماية المصالح الوطنية ضرورة تمثيلية وميثاقية وتأسيسية، ولن نقبل بأي صيغة اغتيال انتخابي، لأن أي اغتيال لطائفة هو اغتيال للبنان، والطائفة الشيعية مكوّن رئيسي بل تأسيسي في هذا البلد. لذلك كفّوا عن اللعب بالنار الانتخابية والنزعة الطائفية ولعبة الشعارات والمواقف المنفخة التي لا تزيد البعض إلا حقداً وتشفياً وطائفية بغيضة؛ فلعبة الخنق والعزل تضع البلد على كفّ عفريت، ولسنا ممن يخاف إسرائيل أو أميركا، وتاريخنا تضحيات وأثمان وطنية وسيادية، ولا شيء أشرف عندنا من التضحية في سبيل كرامة وسيادة لبنان".
وأضاف، "إن حكومة التنازلات السيادية مطالبة بموقف شريف من قضايا هذا البلد، سواء بخصوص الترسيم البحري مع قبرص الذي تخلت بموجبه عن خمسة آلاف كيلومتر مربع من المياه اللبنانية الاقتصادية الخالصة لصالح قبرص، أو صفقة الغبن أو التدليس الصارخ مع شركة توتال بخصوص البلوك رقم 8، فضلاً عن بدعة الوصاية الجديدة للخارج التي زرعها وزير العدل فوق دواوين كتّاب العدل، والتي تلاقي حاكم المصرف المركزي المهووس بأمركة المصرف وقواعد عمله، وكأن البلد سوق خارجية للبيع البخس".
وأشار إلى أن "لبنان ما زال مهدداً بالفشل الوطني وبالكيد الحكومي والمشاريع الدولية التي تعمل على إعادة تطويبه وابتلاع سيادته بكل الإمكانات، خاصة أن جماعة اللوبي السياسي الشهير بالانتفاع الوطني تحوّلوا باعة أوطان".
وختم المفتي قبلان بالقول: "إذا كان لا بد من صوت وطني للقوى السياسية التي ما زال فيها بعض من الإنصاف والاعتدال، فأقول: أنقذوا لبنان من كارثة سيادية ووجودية بسبب تفريط السلطة السياسية. والدور المصيري الآن للرئيس نبيه بري، الذي يشكل وجوده أكبر ضمانة وطنية لحراسة النظام اللبناني والانتخابي والسياسي، ولا بديل عنه، لأن اللحظة لحماية لبنان وعائلته الوطنية وتوازنه التأسيسي وقيمته التمثيلية وقدرته السيادية وقراره الضامن".