"ليبانون ديبايت"
أثارت المواقف الإيجابية المتكرّرة من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تجاه البيئة السُنّية في لبنان انتباه المراقبين. دعمٌ غير مسبوق لمقام رئاسة الحكومة يتوازى مع الدعم التقليدي لموقع رئاسة الجمهورية، ومقاربة لأدقّ الملفات وأكثرها حساسية، وهو ملفّ الموقوفين الإسلاميين، خاطَها باسيل بحرفية بالغة، فطالب بالعدل ووقف الظلم لمن لم يُحاكَم بعد، لا بل بعفوٍ خاص لهذه الفئة من الموقوفين. في المقابل، شدّد على محاسبة من اعتدى على عناصر الجيش اللبناني، داعيًا إلى الصرامة في مثل هذه القضايا، احترامًا للجيش اللبناني وشهدائه ومشاعر أهاليهم.
وإذ لا يستبعد المراقبون المزيد من الإشارات اللافتة والإيجابية في هذا الإطار، استوقفهم أيضًا وضع باسيل هذه المواقف ضمن إطار احترام شعور البيئة السُنّية وهواجسها المعروفة. فلا شكّ أنّ هذه البادرة الإيجابية في مدّ اليد على أسسٍ واضحة تجاه الرمزيات المحرّكة لوجدان الشارع السُنّي، يُبنى عليها في منطلقات حوارية وفي أي صياغة للمساحات المشتركة. وهذه المواقف والإشارات تتجاوز البعد السياسي التقليدي لتطال عمق تفكير البيئة الشعبية السُنّية، وبالتالي تُشكّل خطوة باسيل تطويرًا معمّقًا للتفاهمات السابقة التي تمت مع “تيار المستقبل”، والتي كانت شرائح سُنّية على يمين “المستقبل” آنذاك قد قاربتها على أنّها تمت بين القيادات ولم تطل القاعدة الشعبية.
الآن، تبدو تصريحات باسيل فرصةً لملاقاة اليد الممدودة، خاصةً في الظروف المحيطة بلبنان، وعلى أعتاب المخاض لصياغة نظامٍ إقليميٍّ جديد. ويشير المراقبون إلى أنّ هذا السلوك ليس جديدًا على “التيار الوطني الحر”، طالما أنّه ومنذ العام 2004 في مؤتمر باريس، كانت الدعوات إلى الحوار اللبناني الداخلي مستمرة. بالتالي، يبقى نهج “التيار” تفاهميًا بشكل دائم، يبني على المشتركات لحماية لبنان وتثبيت سيادته، ولإرساء دعائم الدولة، والأهمّ لتحصين الحياة المشتركة من أي خضّات.
ولا شكّ أنّ المقاربة الواقعية تُقرّ بوجود سوء تفاهم ناتج عن عوامل متعددة، لكنّ “التيار” تاريخيًا – وحالة العماد ميشال عون الشعبية تحديدًا – كان أيضًا قبلةً لنخب وشرائح إسلامية، سُنّية وشيعية ودرزية، رأت فيه الممثّل للطموحات الوطنية وتجسيد الشرعية اللبنانية والدولة. ومن منطلق أنّ البيئة السُنّية مرتبطة تاريخيًا بالدولة، فقد كان من الطبيعي أن يكون هناك تلاقٍ بينها وبين “التيار”، ولا بدّ من استمرار العمل عليه.
وتعتبر أوساط في “التيار” أن مواقف باسيل تأتي ضمن سياقٍ دائم ومتواصل، إذ إنّ “التيار” لم يُقفل يومًا الباب أمام أي حوار أو سعيٍ للتفاهمات الوطنية. وتوضح أنّ هيئاته المركزية والمناطقية نظّمت دائمًا حواراتٍ وطاولاتٍ مستديرة مع نُخبٍ سُنّية خاصة، هدفت إلى تبديد سوء الفهم والتركيز على النقاط المشتركة، وبالتحديد في مناطق ذات تكوينٍ مجتمعيٍّ متنوّع.
ومن هذه الخلاصات، يمكن قراءة المواقف الآتية والمستمرة لباسيل و”التيار” على المستويات المختلفة، ولا سيما المقابلة التلفزيونية المنتظرة لرئيس “التيار” ليل الأحد.