اقليمي ودولي

الجزيرة
السبت 25 تشرين الأول 2025 - 08:31 الجزيرة
الجزيرة

سموتريتش يرسم خريطة "إسرائيل الكبرى" على أنقاض فلسطين

سموتريتش يرسم خريطة "إسرائيل الكبرى" على أنقاض فلسطين

في 22 تموز الماضي، استيقظ أهالي بلدة بيت أولا غرب الخليل على مشهد غير مألوف؛ مستوطن ينصب خيمة على أراضيهم المحاذية لخط الهدنة عام 1949. في الأسبوع التالي، كان محمود العملة ووالده يعتنيان بأرضهما التي ورثاها عن الأجداد، لكن المستوطن اعترض طريقهما. بعد جدال طويل وحضور القوات الإسرائيلية، غادر الجميع المكان مؤقتًا.


عاد محمود مع والده في الأيام التالية، وما هي إلا دقائق حتى وصل الجيش الإسرائيلي برفقة المستوطن ذاته، لكن هذه المرة كان الأخير يرتدي زي الجيش الإسرائيلي كاملًا. تقدّم نحو محمود وهاجمه بعنف، طرحه أرضًا، ضغط رأسه على صخرة ووضع قدمه على عنقه لنصف ساعة وهو ينهال عليه بالضرب، قبل أن ينسحب مع الجنود ويُترك محمود مصابًا برضوض في رأسه وعنقه نُقل على إثرها إلى المشفى.


قاتل المصلّين مثله الأعلى.. من أين جاء بن غفير بكل هذا القبح؟

أجهزة التنفس التي جعلت إسرائيل حيّة إلى اليوم

شابه أباه فظلم.. من أين جاء سموتريتش وماذا يريد؟


يفسر محمود ما حدث بما دار بينه وبين المستوطن في المرة الأولى؛ فقد قال له المستوطن إنه يطردهم لأن هذه «أراضي دولة» (كانت إسرائيل في بداية الأمر قد أعلنت المنطقة عسكرية مغلقة، ثم في 1983 أعلنتها «أراضي دولة»)، فأجابه محمود: «هذه أرضي وأرض أجدادي، ثم إنك لست مخوَّلًا بحراسة أراضي الدولة، إن سلّمنا بهذه الصفة».


لكن منطق القانون في إسرائيل يقضي بأن الجيش يحمي المستوطن لكنه لا يمتلك سلطة قضائية عليه، لأنه «مواطن إسرائيلي» تخضع محاسبته للشرطة -التي افتتحت للمفارقة مركزًا لها في مستوطنة كريات أربع شرق الخليل عام 2018-، فلجأ محمود لتقديم شكوى هناك. المفارقة أن القانون الدولي يرى العكس تمامًا، فالقوة العسكرية الإسرائيلية هي التي تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن الأرض والسكان تحت السيطرة الإسرائيلية.


تُجسِّد قصة محمود نموذجًا مكثفًا لما يجري في الضفة الغربية؛ مشهد «الضم بحكم الأمر الواقع» (De Facto Annexation) كما وصفته محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية عام 2024. فالاستيطان ليس مجرد بؤر ومستوطنات، بل منظومة متكاملة تعمل منذ 1967 على إعادة تشكيل الأرض والسلطة والحدود، وتُطبَّق فيها القوانين الإسرائيلية -على المستوطن والمستوطنة فقط- كما لو كانت تل أبيب. لكن تلك القوانين لا تنطبق على الفلسطيني الذي يخضع لمزاجية القوة العسكرية الإسرائيلية.


هذه السيطرة الشاملة لم تكن كافية في نظر قادة المشروع الاستيطاني الذين بدأوا يهيّئون الأرضية لـ«لحظة الحسم»، كما سمّاها سموتريتش في خطته عام 2017.


ورغم أن 13 مستوطنة باتت خاضعة بشكل مباشر لوزارة الإسكان الإسرائيلية -أي إنها ضُمّت فعليًا- وأن الوزارات الحكومية كافة تموّل وتدير برامج وخططًا في المستوطنات بما في ذلك البؤر «غير القانونية» حتى وفق التعريف الإسرائيلي، فإن سموتريتش، بصفته وزيرًا في وزارة الجيش، مضى أبعد من ذلك. إذ عمل على تسريع خطوات الضم القانوني عبر مسارات بيروقراطية متشابكة، وبناء منظومة تُحيل الضفة الغربية إلى مجال إداري إسرائيلي كامل.


لم يكن خافيًا أن طموحه يتجاوز الواقع نفسه. ففي مخططاته المنشورة، دعا سموتريتش في 3 أيلول الماضي إلى أن تعلن إسرائيل ضمًّا رسميًا لـ 82% من مساحة الضفة الغربية، وهي نسبة تفوق حتى تصورات بعض أكثر أنصار الاستيطان تطرفًا.


ومع أن الإعلان القانوني لم يحدث بعد، فإن ما تحقق على الأرض عبر القوانين، والمؤسسات، والميزانيات، والبنى التحتية، يشي بأن الضم الفعلي يتقدم خطوة بعد خطوة، وأن ما نراه اليوم ليس سوى الفصل الأحدث في مسلسل الضم الصامت الذي بدأ منذ 1967 ولم يتوقف.


في هذا المقال سنستعرض كيف تمكّن سموتريتش من ترسيخ الأسس البيروقراطية والمالية لعملية الضم، وكيف اتسعت سيطرة الوزارات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية من التخطيط والبناء إلى الآثار والموروث التاريخي، في محاولة لصياغة واقع جديد يجعل الضفة الغربية جزءًا عضويًا من إسرائيل دون الحاجة إلى إعلان رسمي.


وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وهو يتحدث عن توسيع المستوطنات في مستوطنة E1 المجمدة منذ مدة طويلة، والتي من شأنها فصل شرقيّ القدس عن الضفة الغربية، وذلك بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم الإسرائيلية في الضفة الغربية، 14 آب 2025 (رويترز)


بعد ثمانية أيام فقط من سيطرة إسرائيل على الضفة عام 1967، قال وزير الجيش الأسبق موشيه ديان: «أرى أننا سنقيم قواعد ثابتة على رؤوس الجبال لن نتحرك منها، هذه أرض إسرائيل، ومن هناك لن نتحرك». كان هذا التصريح بمنزلة إعلان مبكر أن النية لم تكن مجرد سيطرة عسكرية، بل مشروع ضم طويل الأمد.


وبعد شهرين، طرح ديان خطة أولية للاستيطان؛ فاقترح إقامة خمس بؤر استيطانية في خمس محافظات أساسية: الزبابدة جنوب جنين، وحوارة جنوب نابلس، وبيت إيل شمال رام الله، وغوش عتصيون جنوب بيت لحم، وأدوريم جنوب الخليل، بحيث تضم كل واحدة منها قاعدة عسكرية إلى جانب مستوطنة «مدنية»، وهو ما حدث فعلًا، كما رُبطت هذه البؤر بـ إسرائيل عبر شبكة من الطرق وخطوط الكهرباء والماء والاتصالات، في الوقت نفسه الذي عُزلت فيه تمامًا عن محيطها العربي الفلسطيني.


وكان القائد العسكري والوزير الإسرائيلي إيغال ألون، طرح في الفترة ذاتها خطة تقضي بحصر الفلسطينيين في الضفة بين شريط حدودي مع الأردن تُقام فيه المستوطنات، مع خط استيطاني يمتد إلى القدس، بحيث تُقسم الضفة فيه إلى شطرين.


لاحقًا، قدّم أرييل شارون ما عُرف بـ«خطة الكانتونات»، التي هدفت إلى عزل الفلسطينيين داخل جيوب منفصلة مقطعة بالطرق ونقاط التفتيش، مع تطويق الضفة بمستوطنات شرقية لعزلها عن الأردن، وغربية لتسهيل ضمها لاحقًا. على الخط نفسه، جاءت خطة متتياهو دروبلز، التي أكدت ضرورة محاصرة القرى والمدن الفلسطينية بالمستوطنات لمنع قيام كيان فلسطيني مستقل.


جميع هذه الخطط تكشف أن الهدف منذ اللحظة الأولى كان الضم، وأن المستوطنات والخدمات المرافقة لها لم تكن إلا البنية التحتية لتمدد إسرائيل داخل الضفة الغربية.


وبالفعل، تدرجت إسرائيل في تنفيذها حتى وصلت اليوم -وفقًا لقسم مراقبة الاستيطان في منظمة «السلام الآن»- إلى السيطرة على أكثر من 50% من مساحة الضفة الغربية، وما يقارب 87% من المنطقة «ج» كما حددتها اتفاقية أوسلو. فكيف وصلنا إلى هنا؟


على النهج ذاته كان ضم القدس، لكن بشكل فج وواضح، فما إن مضت أيام قليلة على سيطرة إسرائيل على شرقيّ القدس في حزيران 1967، حتى شرعت بخطواتها الأولى نحو الضم.


البداية كانت بحل مجلس بلدية القدس المنتخب، ثم دعوة نائب الحاكم العسكري الإسرائيلي لرئيس البلدية وأعضائها للقائه فرادى، عارضًا عليهم الانضمام إلى بلدية القدس في الجزء الخاضع لإسرائيل منذ 1948. غير أن الأعضاء برئاسة روحي الخطيب رفضوا هذه الدعوة والإجراءات، وطالبوا بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل السيطرة.


لكن إسرائيل لم تتراجع، فبعد ستة عشر يومًا فقط، وفي 27 حزيران 1967، أقرّ الكنيست تعديلين جوهريين: الأول؛ تعديل قانون البلديات بما يتيح لوزير الداخلية الإسرائيلي توسيع حدود بلدية القدس، لتضم إلى مساحتها الأصلية (38 ألف دونم) نحو 70 ألف دونم إضافية من الأراضي الفلسطينية، مع استبعاد الأحياء المكتظة مثل الرام وعناتا وأبوديس والعيزرية، بحيث تتضاعف المساحة ثلاث مرات.


أما الثاني فكان تعديل قانون الولاية والإدارة بما يسمح بفرض «السيادة الإسرائيلية» على شرقيّ القدس، واعتبار سكانها الفلسطينيين «مقيمين دائمين» لا مواطنين أصليين.


كانت هذه الإجراءات أولى خطوات الضم الفعلي بعد حرب 1967، ثم جاء التطور الأبرز في 30 تموز 1980، عندما أقرّ الكنيست «قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل»، الذي نص صراحة على أن القدس بشطريها الشرقي والغربي هي «العاصمة الموحدة لإسرائيل».

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة