في اليوم الثاني عشر من تنفيذ "اتفاق ترامب"، القاضي بوقف الحرب على قطاع غزة، تتواصل زيارات المسؤولين الأميركيين إلى إسرائيل، في مشهد يعكس تدخلاً أميركياً مباشراً ومتزايداً في إدارة الحرب وملفات السياسة الإسرائيلية الداخلية، وفق ما يؤكده مراقبون.
منذ زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الكنيست الإسرائيلي، بدأت ملامح ما بات يُوصف بـ"الوصاية الأميركية على إسرائيل". فقد تحوّل الطريق بين مطار بن غوريون والقدس إلى ممر شبه مغلق بسبب توافد مواكب المسؤولين الأميركيين، بين قادم ومغادر.
وخلال هذه الفترة، أعلن ترامب أنه سيوقف الحرب في غزة ويوسّع الاتفاقيات الإبراهيمية، فيما أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن وزارة الخارجية أنشأت قسماً خاصاً لمتابعة هذا الملف، موضحاً أن عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة باتت تحت وصاية مركز التنسيق الأميركي في كريات غات.
أما بشأن ضم الضفة الغربية، فقد كان الموقف الأميركي حاسماً: "لن يحدث ذلك".
وفي ما يتعلّق بمشاركة الدول الأخرى في إعادة الإعمار، أوضح الجانب الأميركي أن السلطة الفلسطينية ستتولّى دوراً رمزياً عبر معبر رفح، بينما ستكون مصر وتركيا ضمن الدول المقبولة إسرائيلياً، أي المقبولة من وجهة نظر ترامب، باعتباره صاحب القرار النهائي في زمن الوصاية الأميركية.
رغم أنّ نتنياهو لا يزال في الواجهة، إلا أنّ نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس صرّح بأن "نتنياهو لم يعد يدير إسرائيل"، وأنه لا يستطيع قول "نعم" لدولة فلسطينية ولا "لا" لترامب. في المقابل، يواصل ترامب التعبير عن "رغباته" التي تتحوّل عملياً إلى أوامر سياسية وعسكرية، متحدثاً عن طموحه لتحقيق السلام في الشرق الأوسط بما يتجاوز حدود غزة.
ويرى مراقبون أن نتنياهو يفضّل الصمت حالياً وترك ترامب يتقدّم، خشية انهيار حكومته في حال تمرد شركائه من اليمين المتطرف على ما يعتبرونه تدخلاً أميركياً سافراً. وإذا ما سقطت الحكومة، فإن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة قد تمنح ترامب فرصة لتركيب حكومة جديدة تتناسب مع رؤيته للسلام والإدارة المشتركة.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصفت المشهد بـ"كابوس إسرائيل"، مشيرة إلى أن رفع علم واحد فقط فوق مقر القيادة الأميركية في كريات غات "يدل على من بات صاحب القرار الحقيقي".
وقالت الصحيفة إن كريات غات – المدينة الواقعة جنوب إسرائيل – أصبحت مقرًا لما يُعرف بـ"القيادة الأميركية"، وهي مركز التنسيق المدني-العسكري الذي تشرف عليه الولايات المتحدة ودول غربية وعربية، لمراقبة وقف إطلاق النار في غزة وتنسيق المساعدات الإنسانية.
ولفت التقرير إلى أن هذه القيادة تضم جنوداً أميركيين وفرنسيين وإسباناً، إلى جانب ضباط من الجيش الإسرائيلي ومنظمات مدنية مثل الصليب الأحمر، في إشارة إلى تدويل فعلي للصراع.
كما أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن تعيين السفير الأميركي السابق لدى اليمن ستيفن فاغن مديراً للقيادة الأميركية بالإنابة عن وزارة الخارجية الأميركية، حيث ستكون مهمته ضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار ومراقبة الأوضاع في غزة بدقة متناهية.
وبحسب التقرير الإسرائيلي، فإن القيادة الأميركية في كريات غات أصبحت المركز الحقيقي لصنع القرار الميداني والسياسي، ما دفع بعض المحللين في تل أبيب إلى القول إن الولايات المتحدة باتت "أصحاب المنزل" في إسرائيل.
وبينما تتمسّك إدارة ترامب بـ"لاءاتها" تجاه ضم الأراضي أو استئناف الحرب، يرى مراقبون أن اليمين الإسرائيلي يعيش مأزقاً وجودياً، إذ لا يستطيع معارضة واشنطن علناً ولا قبول وصايتها بالكامل. ومع ذلك، يبدو أن ترامب نجح في تحويل الحرب إلى إدارة أميركية – إسرائيلية مشتركة، تتداخل فيها السياسة والأمن والوصاية في مشهد غير مسبوق بتاريخ العلاقات بين البلدين.