تعيش الأوساط الأمنية والإعلامية في إسرائيل ولبنان على وقع التساؤلات حول مستقبل حزب الله بعد الضربات القاسية التي تلقاها خلال العام الماضي، والتي أدت إلى مقتل أبرز قادته الميدانيين وعزل أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله عن دوائر القرار والميدان، ما جعل البعض يصف الحزب بأنه "فقد عينيه" على الجبهة.
بحسب تقرير موسّع نشره موقع "مكان" الإسرائيلي، فإنّ نصر الله عاش في أسابيعه الأخيرة حالة من الارتباك وفقدان الاتصال بالقيادات العسكرية، بعدما تمكّنت إسرائيل من تنفيذ سلسلة اغتيالات استهدفت كبار ضباط الحزب، أبرزهم طلال عبد الله وإبراهيم عقيل ووسام الطوَيل ومحمد نعمة ناصر، الذي كان يقود وحدة "عزيز".
ونقل الموقع عن رجل دين لبناني مقرّب من الحزب قوله إنّ "نصر الله تلقى تقارير متناقضة من الميدان، بينما كان القادة الميدانيون عاجزين عن فهم الوضع على الأرض بانتظار قرارات لم تصدر في اللحظات الحاسمة"، مضيفًا أن الارتباك داخل القيادة الميدانية أدّى إلى خسارة الحزب زمام المبادرة.
مسؤول أمني إسرائيلي كبير صرّح للموقع أنّ إسرائيل "نجحت في عزل نصر الله عن قادته الكبار وقطع شرايين الاتصال بينه وبين الجبهة"، مضيفًا أنّ هذا "العزل" أدى إلى تآكل منظومة القيادة والسيطرة داخل الحزب، وإلى "ارتكاب أخطاء فادحة انتهت بمقتله".
ووفق التقرير، فإنّ نصر الله كان يعتقد أن الصراع سيبقى ضمن حدود "معادلة الردع" التي سادت منذ حرب تموز 2006، وأنّ العمليات الإسرائيلية لن تتجاوز الجنوب اللبناني. إلا أنّ الأحداث بعد السابع من تشرين الأول قلبت المعادلة، إذ بدأت إسرائيل بتوسيع نطاق عملياتها إلى عمق لبنان وتدمير منظومات الصواريخ والمقرات القيادية التابعة للحزب.
وبين كانون الثاني وتموز 2024، تلقى حزب الله سلسلة ضربات نوعية أنهكت بنيته العسكرية:
في كانون الثاني، اغتيل وسام الطوَيل قائد وحدة "رضوان".
في حزيران، استُهدف سامي طلال عبد الله قائد وحدة "ناصر" في الجنوب الشرقي.
في تموز، قُتل محمد نعمة ناصر قائد وحدة "عزيز" المسؤولة عن الجبهة الغربية.
في تموز أيضًا، نفّذت إسرائيل عملية نوعية قضت على فؤاد شكر، أحد أبرز العقول العسكرية في الحزب.
وفي أيلول، اغتيل إبراهيم عقيل، أحد كبار القادة الميدانيين المقربين من نصر الله.
كما طالت الضربات قادة من "الحرس الثوري الإيراني" في سوريا ولبنان، أبرزهم الجنرال رضا موسوي في دمشق في كانون الأول 2023.
التقرير أشار إلى أنّ "عملية البيجر التي نفذها "الموساد" في أيلول، كانت من أبرز العمليات التي شلّت شبكة الاتصال بين قيادات الحزب، ما أدّى إلى "حالة فوضى داخل غرف العمليات وارتباك كبير في اتخاذ القرار".
ونقل الموقع عن مصادر لبنانية قولها إنّ بعض وحدات الحزب الميدانية "لم تتلقَّ أي أوامر لعدة أيام بعد العملية"، وإنّ "قادة ميدانيين بقوا في حالة صدمة طويلة، متسائلين عن غياب إيران ودعمها في تلك الفترة الحرجة".
أما نهاية نصر الله، فقد جاءت – بحسب التقرير – في 27 أيلول 2024، حين خرج من مخبئه للمشاركة في تشييع قائد وحدة الطائرات المسيّرة محمد سرور، قبل أن يتوجه إلى الضاحية الجنوبية برفقة الجنرال الإيراني عباس نيلفوروشان. وفي المساء، نفذت طائرات F-15I و F-16I غارة مركّزة استُخدمت فيها 83 قنبلة زنة كل واحدة منها طن، لتدمير المقرّ الرئيسي للحزب في الضاحية، ما أدى إلى مقتل نصر الله والجنرال الإيراني وعدد من كبار القادة.
التقرير نقل عن مصدر لبناني قوله إنّ "الصدمة في صفوف أنصار الحزب كانت هائلة، والكثيرون تساءلوا: أين كانت إيران؟ ولماذا تُرك نصر الله يواجه مصيره وحيدًا؟".
ويشير الكاتب اللبناني علي الأمين، في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أن نصر الله "كان واثقًا من أنّ إيران ستدخل المعركة إذا تصاعدت، لكن ما حدث كشف حدود الدعم الإيراني وأوقع الحزب في عزلة تامة".
وبحسب التقرير الإسرائيلي، فإنّ حزب الله رغم كل الضربات "لم يُمحَ بعد"، إذ ما زال يحتفظ بآلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة ومخزون كبير من السلاح الإيراني، وتقدّر طهران أنها أرسلت للحزب نحو مليار دولار منذ انتهاء العمليات العسكرية.
لكن التقرير خلص إلى أنّ التنظيم يمرّ بأضعف مراحله منذ تأسيسه، وأنّ إعادة بنائه تتطلب وقتًا طويلًا وقدرات مالية ولوجستية كبيرة، فيما تحذّر أوساط إسرائيلية من أنّ "إهمال الجانب الدبلوماسي والسياسي قد يسمح للحزب بالعودة تدريجيًا إلى الميدان".
ورغم انهيار منظومته القيادية ومقتل أمينه العام، لم يُدفن حزب الله بعد. لكن المشهد الحالي في لبنان يكشف أن التنظيم الذي كان يهيمن على القرار العسكري والسياسي في الجنوب، يعيش اليوم مرحلة إرباك وجودي بين إعادة التموضع... أو السقوط الكامل تحت ركام الحرب.