في ظلّ النقاشات المتصاعدة حول مسألة تصحيح الأجور في لبنان، وتهديد موظفي القطاع العام بشل الادارة مع ما يترتب ذلك من خسائر كبيرة ستصيب الخزينة، فان موضوع سلسلة الرتب والرواتب الجديدة تستوجب سلسلة اجراءات اصلاحية لا بد منها لعدم الوقوع في فخ الانهيار الذي وقع فيه لبنان العام 2019.
وفي هذا الإطار يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد جابر في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أنّ ما حصل في العام 2019 كان من أسبابه سلسلة الرتب والرواتب، وذلك لاعتباراتٍ عديدة، أبرزها أنّ إيرادات الدولة كانت ضعيفة، وجباية الضرائب غير فعّالة، والإدارة العامة مترهّلة، وهذا ما يتكرّر اليوم من الأسباب نفسها. وبالتالي، يحذّر من أنّ أيّ زيادة في الأجور ستنعكس سلبًا على الخزينة وتؤدّي إلى ارتفاع معدّلات التضخّم.
وإذ يرى أنّ المطلوب زيادة القدرة الشرائية للمواطن، فإنّه يربط ذلك بإجراءاتٍ حكوميةٍ مدروسة لا تُسبّب تضخّمًا إضافيًا ولا تزيد العبء على المالية العامة.
ويُعطي جابر جملة أمثلة، منها: تخفيض تكاليف الكهرباء والطاقة التي تستهلك جزءًا مهمًّا من رواتب الموظّفين، بما يُعزّز قدرتهم الشرائية بنسبة ملحوظة، وكذلك تخفيض أسعار الأدوية والخدمات الصحية، وإعداد سياسة نقلٍ سليمة، مؤكّدًا أنّ تحسين هذه القطاعات يُعزّز القدرة الشرائية للمواطن بشكلٍ مباشر.
ويشير الدكتور جابر إلى أنّ المطلوب زيادة الرواتب، ولكن بالتوازي مع تكبير حجم الاقتصاد أولًا، ما يتيح للدولة تحصيل جباية عادلة تُغطّي الاحتياجات المالية، بما في ذلك الرواتب. موضحًا أنّ زيادة الرواتب مع فرض ضرائب جديدة لتغطيتها لن يحقّق الهدف المطلوب، ويشدّد على أنّ الحلول الاقتصادية يجب أن تكون شاملة ومتوازنة، عبر إصلاحات مالية واقتصادية، وتفعيل عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وزيادة التقديمات الاجتماعية، فكلّ هذه النقاط تتكامل مع بعضها وتُسهم في تعزيز القدرة الشرائية للمواطن بعيدًا عن زيادة الأجور في هذا الوقت بالذات في غياب الإصلاحات.
وإذ يلفت إلى أنّ نصف الموازنة تذهب للرواتب والأجور تقريبًا، يتوقّع أنّه مع زيادة الرواتب قد نعود إلى المنطق القديم، حيث كانت 70% من الموازنة تذهب لفوائد خدمة الدين العام وعجز الكهرباء وللرواتب والأجور. واليوم وصلنا إلى نحو 48% أو نصف الموازنة التي تذهب للرواتب. لذلك، المطلوب اليوم إعادة هيكلة الإدارة العامة وتحديد الحجم الأمثل للموظّفين في كلّ دائرة بشكلٍ دقيق، مع تفعيل الإدارة والقضاء على البطالة المقنّعة، لأنّها عوامل تُساهم في زيادة الأعباء المالية على الموازنة العامة.
كما ينتقد جابر دفع رواتب لمستشارين بأرقام كبيرة، معتبرًا أنّ في ذلك هدرًا إضافيًا في بند الرواتب، ولو كانت هذه الأموال تُصرف في المكان الصحيح، لكانت الرواتب تعزّزت، وبالتالي تعزّزت القدرة الشرائية للموظّف.