ذكرت صحيفة "The Hill" الأميركية في تقريرٍ حادّ اللهجة أنّ لبنان يقف أمام لحظة تاريخية فاصلة قد تحدّد ما إذا كان سيتمكّن من استعادة سيادته أو سيبقى تحت هيمنة حزب الله والنفوذ الإيراني.
وبحسب الصحيفة، فإنّ الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار المقبل ستكون بمثابة "اختبارٍ مصيري لإرادة الشعب اللبناني في استعادة قراره الوطني"، بعد سنواتٍ من الانهيار الاقتصادي والفساد السياسي وسيطرة الحزب على مفاصل الدولة.
وتُبرز "The Hill" أنّ النقطة المحورية في هذا الاستحقاق هي حقّ اقتراع اللبنانيين المغتربين، الذين يحتفظون بعلاقاتٍ اقتصادية واجتماعية وسياسية وثيقة مع وطنهم الأم.
ووفقًا لقانون الانتخابات الصادر عام 2017، يُخصَّص للمغتربين ستة مقاعد فقط من أصل 128، في خطوة تقول الصحيفة إنّ هدفها كان تقليص تأثيرهم السياسي.
وأشارت إلى أنّ هذا التقييد عُلِّق مؤقتًا في انتخابات عامي 2018 و2022، غير أنّه إذا لم يُعدَّل القانون قبل انتخابات 2026، فسيُعاد العمل به، ما سيحصر تمثيل المغتربين بستة نواب فقط.
وأضافت الصحيفة أنّ أصوات اللبنانيين في الاغتراب باتت تشكّل عاملًا حاسمًا في المعادلة السياسية، إذ شارك نحو 140 ألف ناخب مغترب في انتخابات 2022 – أي ما يعادل 7% من مجمل الناخبين – وقد صبّت نسبة كبيرة من أصواتهم لصالح المرشحين المستقلين والإصلاحيين على حساب اللوائح المتحالفة مع حزب الله وحلفائه.
وقالت الصحيفة: "صوت المغتربين تحوّل إلى ميزانٍ استراتيجي قادر على زعزعة هيمنة حزب الله".
وكشفت "The Hill" أنّ محاولة تعديل القانون في حزيران الماضي أُحبِطت بهدوء بعد رفض رئيس مجلس النواب نبيه برّي إدراج البند على جدول المناقشات، في خطوةٍ وصفتها بأنها تعكس خشية القوى التقليدية من فقدان السيطرة.
وأضافت أنّ حزب الله وحركة أمل يدركان تمامًا أنّ غالبية المغتربين تميل إلى دعم المرشحين المستقلين والمعارضين، ولذلك يتمسّكان بالقيود الانتخابية لضمان توازن القوى الحالي.
وفي موازاة البُعد السياسي، ألقى تقرير لقناة "الحرة" الضوء على الوضع الاقتصادي المتدهور لحزب الله، مشيرًا إلى تصاعد التوتّر بينه وبين مؤسسات الدولة اللبنانية على خلفية تشديد الرقابة على التحويلات المالية وعمليات التهريب.
وذكرت القناة أنّ الأمين العام حزب الله الشيخ نعيم قاسم هاجم حاكم مصرف لبنان ووزير العدل، متّهمًا إيّاهما بأنّهما "ينفّذان تعليماتٍ أجنبية تهدف إلى خنق القاعدة الاقتصادية للمقاومة"، ومؤكدًا أنّ "الحاكم ليس موظفًا لدى أميركا ولا الوزير تابعًا لإسرائيل".
وبحسب "الحرة"، تُظهر هذه التصريحات عمق الأزمة بين الحزب والسلطات الرسمية، التي تواجه ضغوطًا دولية متزايدة لتطبيق منظومة العقوبات المفروضة على جهات وشخصيات مرتبطة بالحزب.
وأشارت القناة إلى أنّ الولايات المتحدة وشركاءها الإقليميين يعتمدون منذ سنوات "استراتيجية حربٍ صامتة" ضد حزب الله، تقوم على عزله اقتصاديًا وتجفيف مصادر تمويله بدل الدخول في مواجهةٍ عسكرية مباشرة.
وذكّرت "الحرة" بأنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وسّعت سياسة "الضغط الأقصى" على إيران وأذرعها، ففرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوباتٍ على سبعة مسؤولين مرتبطين بمؤسسة "القرض الحسن"، الذراع المالية للحزب، كما أُغلق بنك "جمال ترست" المتّهم بالتعامل مع مؤسسات تابعة له.
كما أقرّ الكونغرس الأميركي تشريعاتٍ تُجيز معاقبة المصارف اللبنانية التي تتعاون مع جهات مدرجة على لوائح الإرهاب.
وبحسب بياناتٍ نُقلت عن وزارة الخزانة الكندية، فإنّ إيرادات حزب الله السنوية تُقدَّر بنحو مليار دولار، مصدرها الدعم الإيراني، واستثمارات تجارية، وأنشطة غير قانونية تشمل تجارة المخدرات والعملات الرقمية.
وأضافت القناة أنّ الحزب ينشط ضمن شبكات تهريبٍ عابرة للقارات تمتد من البحر المتوسط حتى أميركا اللاتينية.
وفي الداخل اللبناني، لفت التقرير إلى أنّ الضغوط الاقتصادية أدّت إلى تراجعٍ حاد في قدرات الحزب المالية، إذ اضطرّ إلى تقليص نفقاته الاجتماعية ومشاريعه الخدمية التي كانت تشكّل أحد أعمدة نفوذه الشعبي.
كما شدّدت السلطات اللبنانية إجراءات المراقبة في المرافئ والمعابر الحدودية، ومنعت هبوط الطائرات الإيرانية، وأوقفت عددًا من الموظفين العموميين بتهمة الارتباط بمؤسساتٍ تابعة للحزب.
وأصدر مصرف لبنان في أيلول الماضي التعميم رقم 170، الذي يحظر على المؤسسات المالية التعامل مع جهات خاضعة لعقوبات دولية، من بينها جمعيات مرتبطة بالحزب، فيما أصدر وزير العدل عادل ناصر قرارًا يمنع الكتّاب العدل من توثيق أي صفقات تخصّ أفرادًا أو كيانات مدرجة على هذه اللوائح.
ورأى الخبير الاقتصادي خالد أبو شقرا أنّ هذه الخطوات تهدف إلى تفادي عزل لبنان ماليًا أكثر مما هو عليه، بعد إدراجه على "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF)، موضحًا أنّ تطبيق المعايير الدولية ضروري لاستعادة الثقة بالمصارف، لكنّ سلطة المصرف المركزي محدودة لأنّ تفكيك الشبكات المرتبطة بالحزب يتطلّب إجراءات قضائية معقّدة.
من جهتها، قالت الباحثة محاسن مرسيل، المتخصّصة في مكافحة الجرائم المالية، إنّ الحزب بات يعتمد بشكلٍ متزايد على ما تُسمّيه "الاقتصاد الأسود"، القائم على التهرّب الضريبي والتهريب والتحويلات غير الرسمية، في وقتٍ بدأت الدولة بالكاد بملاحقة هذه الملفات.
وختم التقرير بالإشارة إلى أنّ "المزيج بين تقلّص الدعم الإيراني وتشديد العقوبات الدولية وضع حزب الله في مأزقٍ وجودي حقيقي"، إذ يجد الحزب نفسه مضطرًا إلى تقليص نشاطاته الداخلية وتحميل الدولة مسؤولية الأزمة، في محاولةٍ لتصويرها كفشلٍ حكومي لا كنتاجٍ مباشر لانحسار نفوذه الاقتصادي والسياسي.