"ليبانون ديبايت"
في ظلّ التوتّر المتصاعد على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، والحديث عن وساطات عربية ودولية لتفادي انفجار جديد في المنطقة، تحدّث المحلل الاستراتيجي المصري طلعت طه في مقابلة خاصة مع موقع "ليبانون ديبايت" عن أبعاد التحرّك المصري الأخير وزيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بيروت، كاشفًا عن تفاصيل المبادرة المصرية وموقفه من احتمالات التصعيد، ومشدّدًا على أنّ لبنان اليوم يعيش "وقت حبس الأنفاس".
وأكّد طه أنّ مصر لم تبتعد يومًا عن لبنان، لأنّ لبنان "دولة عربية شقيقة نحترمها ونحبها كثيرًا"، مشدّدًا على أنّ زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء محمد رشاد إلى بيروت لا تهدف إلى "التهديد أو التحذير"، بل تأتي في سياق "محاولة فرض السلام في المنطقة، ومن ضمنها لبنان الحبيب".
وأوضح طه أنّ الزيارة تأتي في ظلّ حالة احتقان قائمة بين حزب الله وإسرائيل، مشيرًا إلى أنّ "حزب الله اختار الدور العظيم حين قرّر الابتعاد عن الحرب، واختار لبنان قبل كل شيء"، مضيفًا أنّه "وفقًا للاتفاق القائم، فإنّ تدخّل حزب الله سيجرّ لبنان إلى الحرب، ولهذا فضّل الحزب التجميد والابتعاد عن المشهد مؤقتًا".
غير أنّ طه اعتبر أنّ الخروقات الإسرائيلية التي تجاوزت خمسة آلاف "أصبحت فظيعة جدًا، ولم يعد ممكنًا السكوت عنها"، معتبرًا أنّه "من الضروري جدًا إنهاء هذا الخلاف ووضع خطوط فاصلة للسلام"، مشيرًا إلى أنّ هذا هو الدور المصري الأساسي الذي جسّدته زيارة رئيس المخابرات المصرية "في لحظة دقيقة جدًا، خاصة أنّه على السطح توجد توقعات تقول إنّ إسرائيل قد تبادر إلى الهجوم على حزب الله وإيران بعد انتهاء زيارة البابا إلى لبنان".
وقال: "نحن في وقت حبس الأنفاس، فنحن على شفا حرب أو على الأقل انتهاكٍ قويّ"، على حدّ تعبيره. ولفت إلى أنّ إسرائيل "في الآونة الأخيرة تقوم باغتيالات واعتداءات، وتلقي قنابل على أماكن تزعم أنّها تابعة لحزب الله من دون أي دليل"، معتبرًا أنّ مصر تملك، بحكم علاقاتها العربية والدولية وعلاقتها بالولايات المتحدة، القدرة على المساعدة في لجم إسرائيل.
وعن ما تسرّب حول المبادرة بشأن إنشاء لجنة عربية–تركية تتابع تنفيذ الاتفاق ومنع أي خرق، قال طه: "لم يصلني حتى الآن هذا الأمر، لأنّ إسرائيل تختلق أفكارها من نفسها، ولا تعتمد على الآخر، لذلك لا معلومات إضافية لديّ في هذا الصدد".
وفي ما خصّ المبادرة المصرية التي طرحها مدير المخابرات المصرية، أوضح طه أنّها "حتى الآن سرّية"، لكنه توقّع أن يتمحور الخلاف الأساسي حول ما إذا كان حزب الله سيعود إلى جنوب نهر الليطاني أم لا، مرجّحًا أن تتضمّن المبادرة بندًا يقضي باستبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني.
أما فكرة نزع سلاح حزب الله، فاعتبرها طه غير مفيدة، قائلاً إنّها "أمر غير ممكن أبدًا"، مضيفًا: "لا يمكن لأي طرف أن يتخلّى عن سلاحه، لكن قد يكون هناك تجميد للسلاح، والتجميد يعني تفاوضًا، والتفاوض يعني هدنة".
وضرب مثالًا بما حدث مع عبد الله أوجلان حيث "تمّ تسليم بعض الأسلحة بشكل رمزي – نحو عشرة أو عشرين سلاحًا – كبادرة حسن نية، تمهيدًا لسلام دائم"، لكنه استبعد أن "يسلك حزب الله هذا الطريق مرة أخرى"، معتبرًا أنّ "الظروف مختلفة تمامًا".
وأشار طه إلى أنّ الصحف العبرية تصعّد خطابها مؤخرًا وتقول إنّ حزب الله أعاد بناء قوّته العسكرية، وإنّه استورد كميات كبيرة من الأسلحة، كما أنّ إيران استوردت أسلحة كثيرة، "ما يعني أنّ إسرائيل تمهّد لضربة تُبرَّر لها بذريعة كاذبة هي الدفاع عن النفس"، موضحًا أنّ إسرائيل "تعتمد في حروبها منذ عامين على السردية والصورة قبل الضربة، ثم السردية والضرب مجددًا".
وأضاف أنّ النهج الإسرائيلي لا يقوم على تضخيم الأمور فحسب، "بل يختلق الأمر من فراغ، ثم ينسج حوله رواية ويبني عليها احتمالات لضربات مقبلة".
وعن فرص نجاح المبادرة المصرية، قال طه: "أعتقد أنها ستنجح، فهي نجحت سابقًا في معضلة كبرى، أي إيقاف الحرب مؤقتًا في غزة، إلا أنّ لبنان شأن مختلف تمامًا"، مضيفًا أنّ الوضع اللبناني أكثر تعقيدًا، خصوصًا في ظلّ إعلان الرئيس اللبناني المهم جدًا أنّ "أي اعتداء إسرائيلي على لبنان سيُواجَه بردّ".
ورأى طه أنّه "قد تكون قوى لبنان متعبة، لكنّ ما هو أهمّ من السلاح هو الدفاع عن الأرض والشعب، حتى لو بالموقف"، معتبرًا أنّ هذا ما لمسه من كلام الرئيس جوزاف عون، لأنّ "من يحارب ليحمي بيته يكون أقوى من الذي يحارب لأسبابٍ أخرى"، مشيدًا بـ"الدعم الفرنسي المستمرّ للبنان"، ومعتبرًا أنّ فرنسا دولة قوية وسند تاريخي للبنان في أوقات الأزمات منذ زمن طويل.