كشف تقرير لصحيفة "هآرتس"، اليوم الأحد، أن المدعية العسكرية العامة المقالة اللواء يفعات تومر يروشالمي امتنعت خلال الأشهر الأخيرة عن فتح تحقيقات في عدد من الحوادث التي قد تُعدّ انتهاكات جسيمة للقانون الدولي أو حتى جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وذلك قبل انكشاف تورطها في تسريب مقطع مصوّر يوثّق اعتداءً وحشيًّا لجنود إسرائيليين على أسير فلسطيني داخل قاعدة سدي تيمان في صحراء النقب.
وكان وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد أعلن، الأربعاء الماضي، عزل يروشالمي من منصبها بعد تحقيقٍ أجراه الجيش بشأن دورها المزعوم في تسريب الفيديو الذي أثار موجة غضب واسعة داخل المؤسسة العسكرية.
ونقل المراسل العسكري للصحيفة يانيف كوبوفيتش عن مصادر رفيعة في الجيش الإسرائيلي أنّ يروشالمي تجنّبت عمدًا فتح ملفات حسّاسة خشية حملة التحريض والتهديدات التي تعرّضت لها من أوساط اليمين الإسرائيلي بعد الحادثة، موضّحةً أنها "شعرت بتهديد مباشر وتوقّفت عن اتخاذ قرارات خشية الهجوم الشخصي عليها".
أورد التقرير عدة حوادث بارزة امتنعت فيها المدعية العسكرية عن فتح تحقيقات رسمية، أبرزها مقتل سبعة متطوعين من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في قصفٍ شنّته طائرات إسرائيلية على دير البلح في نيسان (أبريل) 2024.
ونقلت الصحيفة عن ضابطة احتياط في النيابة العسكرية قولها إنّ التحقيق الميداني أظهر أن العملية نُفذت خلافًا للأوامر، لكن يروشالمي رفضت إحالة الملف إلى الشرطة العسكرية واكتفت بتحقيقٍ داخليٍّ سرّي "دُفن لاحقًا دون محاسبة".
وأضافت الضابطة أن هناك حديثًا داخل النيابة العسكرية عن تلقّي يروشالمي تهديداتٍ مباشرة حتى إلى منزلها، ما جعلها تتجنّب الخوض في ملفات حساسة خوفًا من التصعيد السياسي والإعلامي.
كما امتنعت المستشارة، وفق التقرير، عن فتح تحقيق في مقتل 15 من أفراد الطواقم الطبية في غزة في آذار (مارس) الماضي، رغم توثيق الحادث بالكامل ومطالبة لجان التحقق العسكرية بتحويل الملف إلى مسار جنائي. وقال مصدر أمني للصحيفة إنّ "الحدث معروف للجميع، وهو غير مقبول لا أخلاقيًا ولا عسكريًا ولا قانونيًا"، لكنّ يروشالمي تجاهلته خشية العاصفة السياسية.
وأشار التقرير إلى أنّ سلوك يروشالمي تأثر أيضًا بملف "الصندوق الإنساني لغزة" (GHF)، الذي أُنشئ للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية، إذ طالبت في البداية بفرض رقابة قانونية صارمة على عمله، لكنها تراجعت لاحقًا بعد تحوّله إلى ملف سياسي تديره رئاسة الحكومة ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله إنّ المستشارة انسحبت تمامًا من الإشراف على الصندوق بعد علمها بأنّ الشركة الأميركية المشغّلة تعمل بالتنسيق مع شخصيات يمينية في الجيش، وهو ما أدّى إلى تعطيل توزيع مواد أساسية على المدنيين لأيام بذريعة "الاعتبارات الأمنية".
وذكر التقرير أنّ يروشالمي كانت تطالب حتى يوم إقالتها بفتح تحقيق في قصف مستشفى ناصر في خان يونس في آب (أغسطس) الماضي، والذي أودى بحياة أكثر من 20 فلسطينيًا بينهم خمسة صحافيين، لكنّها لم تصمد أمام الضغوط من داخل الجيش ومن أوساط اليمين السياسي.
ورأى المراسل كوبوفيتش أن إقالة يروشالمي تعكس أزمة عميقة داخل الجيش الإسرائيلي، حيث تتزايد مخاوف القيادة القانونية والعسكرية من المساءلة الداخلية والخارجية على خلفية ممارسات الجيش في غزة، في وقت يتصاعد فيه نفوذ التيارات اليمينية التي تضغط لمنع أي فحص قانوني لعملياته.
ونقل التقرير عن أحد الضباط قوله في ختام التحقيق: "لقد فقد الجيش بوصلته الأخلاقية. عندما يخشى المدعي العسكري من تغريدةٍ أكثر مما يخشى من محكمةٍ دولية، فهذه علامة خطر على المؤسسة بأكملها".