وبحسب ما يكشفه نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ"ليبانون ديبايت"، فإنّ ما يجري اليوم ليس استثناءً ولا حالاتٍ معزولة، بل نهجٌ ممنهج تقوده إدارات مدارس تتصرّف وكأنها "فوق الدولة وفوق القانون"، مستفيدة من غياب الرقابة ومن صمت وزارة التربية.
ويُقسِم محفوض هذه المخالفات إلى ثلاثة أنماطٍ خطيرة من الممارسات:
النوع الأول: "براءات ذمّة" قسرية... والهدف سرقة سنوات العمر
بعض المدارس، وفق محفوض، تجبر الأساتذة على توقيع "براءة ذمّة" تفيد بأنهم قبضوا كامل تعويضاتهم عن السنوات السابقة، رغم أنهم لا يزالون على رأس عملهم!
الهدف واضح: عند صرف الأستاذ لاحقًا، تدفع له المدرسة تعويضًا هزيلاً على أساس آخر سنة فقط، بدل احتساب كامل السنوات.
وسأل محفوض: "أيعقل أن أستاذًا خدم 30 عامًا يُجبر على التوقيع مقابل مليونٍ و900 ألف ليرة؟!"
وشدّد على أن هذه الممارسة خارج نطاق العقل والقانون والإنسانية، وتشبه حرفيًا "إسقاط سنوات العمر بحبرٍ جاف".
النوع الثاني: رواتب وهمية على الورق... والسرقة عبر صندوق التعويضات
تفرض بعض المدارس على المعلمين توقيع بياناتٍ مالية تُرسل إلى صندوق التعويضات، تشير إلى أن رواتبهم لا تتجاوز 28 مليون ليرة (أي الحد الأدنى للأجور تقريبًا)، رغم أن الرواتب الفعلية غالبًا تكون خليطًا من الدولار والليرة وقد تصل إلى أكثر من 800 دولار شهريًا.
النتيجة؟ تدفع المدرسة 6% للصندوق على أساس 28 مليون فقط، فيخسر المعلم حقَّه في تعويضٍ عادلٍ عند التقاعد.
ويقول محفوض: "هذه سرقة موصوفة، واعتداء مباشر على حقوق المعلمين، وتهديد لديمومة صندوق التعويضات نفسه".
ويكشف أيضًا: "من يرفض؟ يُهدَّد بعدم قبض راتبه، وبعضهم حُجبت رواتبهم فعلًا. حتى رئيس الجمهورية لا يستطيع قانونًا حجز راتب موظف... فكيف تفعلها إدارة مدرسة؟!"
النوع الثالث: بيانات كاذبة... ورواتب بـ300 دولار فقط!
يشير محفوض إلى أنّ هناك 26 مدرسة أرسلت بياناتٍ إلى صندوق التعويضات تُظهر أن رواتب أساتذتها 300 دولار فقط، في حين أن أقساطها تتراوح بين 3000 و4000 دولار!
المعادلة فاضحة: استغلال الأهل + سرقة حقوق المعلمين = أرباح بلا رقيب.
وسأل محفوض: "أين وزارة التربية؟ القانون واضح: الاشتراكات تُحتسب على أساس الراتب الحقيقي.
إذا كانت الرواتب على الورق 28 مليون فقط، فلماذا الأقساط بالدولار؟ ولماذا توافق الوزارة على هذه الموازنات؟"
ويؤكّد محفوض أن النقابة تستعد لعقد مؤتمرٍ صحافي ستُعلن فيه أسماء المدارس التي تمارس هذه الانتهاكات في حال عدم التراجع، مهدّدًا: "لن نسكت. فإذا لم تتراجع هذه الإدارات، ستُكشف للرأي العام بالأسماء والوقائع".
ليست قضية نقابية... بل جريمة اجتماعية
ما يحصل اليوم ليس خلافًا نقابيًا على بدل نقل أو زيادة راتب، بل هو تجريدٌ لمعلّمٍ من حقوقه التي عاش عمرًا يبنيها، ونسفٌ لمستقبل المتقاعدين، وتفكيكٌ لصندوق التعويضات الذي يشكّل الأمان الوحيد للمعلم في نهاية عمره المهني.
إنها جريمة تُرتكب على عين الدولة وصمت وزارة التربية، وعلى حساب المؤسسة التربوية والجيل القادم.
وإذا لم تتحرك الوزارة فورًا، فإنّ المدرسة الخاصة اللبنانية، التي طالما تباهت بالرسالة والقيم، ستسقط أخلاقيًا قبل أن تسقط ماليًا.