المحلية

محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت
الخميس 06 تشرين الثاني 2025 - 07:18 ليبانون ديبايت
محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت

"الكلمة المحرّمة" خرجت إلى العلن

"الكلمة المحرّمة" خرجت إلى العلن

"ليبانون ديبايت" - محمد المدني


عاد الحديث في لبنان عن فكرة التفاوض المباشر مع إسرائيل إلى الواجهة السياسية، بعدما بدأ عدد من النواب والساسة يتحدثون عنها علنًا في تصريحات متفرقة، بعضها واقعي وبعضها تمهيدي لمرحلة سياسية جديدة قد تفرضها التطورات الإقليمية.

غير أنّ هذه الدعوات، وإن حملت طابع الجرأة، تصطدم بواقع لبناني لا يزال بعيدًا عن الجاهزية. فلبنان اليوم وإن كان يملك رئيسًا منتخبًا وحكومة عاملة، إلا أنه يعاني من ضعف في القرار المركزي ومن تشتت داخلي عميق يمنعه من خوض أي مسار تفاوضي موحّد الرؤية أو الأهداف.


منذ اتفاق الإطار عام 2020، ظلّت المفاوضات حول الحدود البحرية والبرية تُدار عبر وساطة أميركية. لكن نتائجها بقيت محدودة، ولم تُثمر انسحابًا ولا دعمًا اقتصاديًا ولا إعادة إعمار. ومع تغيّر موازين القوى في المنطقة بعد الحرب الأخيرة، أصبح واضحًا أن المجتمع الدولي بات ينظر إلى لبنان كدولة مطالَبة بأن تحدّد موقعها، فإما أن تبقى في موقع الانتظار وإما أن تبادر إلى حوار مباشر مع اسرائيل تحت عنوان الواقعية السياسية.


هنا، تبرز الكلمة التي يخافها الجميع، "التفاوض"، وهي كلمة تحمل في طيّاتها كلّ الهواجس اللبنانية القديمة من الخوف على السيادة إلى عقدة التطبيع، ومن الانقسام الداخلي إلى فقدان الثقة بالدولة. ومع ذلك، فإنّها الكلمة التي تفرض نفسها اليوم على النقاش السياسي، سواء همسًا في الكواليس أو علنًا في التصريحات.


الرسائل الدبلوماسية التي وصلت إلى بيروت خلال الأشهر الماضية تعبّر عن هذا الاتجاه بوضوح، فهي تقول أن طريق الدعم والإعمار لا يمر إلا عبر موقف لبناني واضح من الصراع والحدود، وربما من التفاوض نفسه. لكن في المقابل، لا يبدو أن لبنان يملك أوراقًا حقيقية يمكن أن يقدّمها أو يفاوض عليها، فالاقتصاد منهار والبنية التحتية شبه معدومة والمؤسسات العامة عاجزة عن فرض أي التزام. أما القرار السياسي، فموزّع بين محاور إقليمية متناقضة تجعل أي موقف وطني عرضة للانقسام.


إسرائيل من جهتها تفاوض من موقع القوة، محاطة بحلفائها وتستند إلى تفوق عسكري ودعم دولي واسع. أما لبنان، فليس أمامه سوى لغة المبادئ من دون أدوات تنفيذية أو ضمانات حقيقية. وحتى لو جلس الطرفان إلى الطاولة، فماذا يمكن أن يقدّم لبنان بالمقابل؟ لا تطبيع مطروح، ولا فتح للحدود، ولا ترتيبات أمنية جدّية يمكن تنفيذها في ظل ضعف الدولة وانقسامها الداخلي.


وهنا تكمن خطور أن يتحوّل التفاوض إلى مجرد عنوان سياسي يجمّل العجز، بدل أن يكون خطوة مدروسة ضمن رؤية وطنية شاملة. فالتفاوض من موقع الضعف ليس انتصارًا، بل مغامرة قد تُفقد لبنان ما تبقّى من أوراق قوّته الرمزية والمعنوية.


الواقع أنّ التفاوض بحد ذاته ليس خيانة، ولا تنازلاً عن السيادة، بل ممارسة سياسية مشروعة حين تأتي من موقع دولة تعرف ما تريد. غير أن التفاوض يحتاج إلى استعداد حقيقي، إلى دولة قادرة على أن تتخذ القرار، وتحميه وتترجمه. وهذا ما يفتقر إليه لبنان حتى الآن. فقبل أن يُقبل على طاولة التفاوض، عليه أن يعيد بناء طاولته الداخلية أولًا، وأن يوحّد كلمته، ويحدّد أولوياته.


قد يكون الزمن الإقليمي يتّجه نحو الواقعية، لكن لبنان ما زال يعيش في منطقة رمادية بين الشعارات والقرارات. لذلك، فإن أي حديث عن تفاوض مباشر، من دون تحصين الداخل وبناء موقف وطني موحّد، سيكون خطوة ناقصة في طريق طويلة مليئة بالمخاطر. وحدها الدولة القادرة على أن تقول "نعم" بثقة و"لا" بثبات، هي التي تستطيع أن تفاوض وتحمي مصالحها. أما لبنان الحالي، فحتى إشعار آخر، يبدو أقرب إلى أن يكون موضوعًا للتفاوض لا طرفًا فيه.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة