"ليبانون ديبايت"
بعد حرب مدمّرة إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي بدأ في أيلول من العام الماضي ولم يتوقف حتى الآن، سعت الدولة اللبنانية للوصول إلى اتفاق هدنة يقضي بوقف العمليات العسكرية وتنفيذ القرار 1701. لكن تمادي العدو في خروقاته لهذا الاتفاق أيقظ في نفوس مجموعة من الشباب المنتمين إلى “حركة حماس” روح المقاومة، فقرّروا الانتقام من العدو الذي لم يحترم اتفاق وقف إطلاق النار واستمر في عدوانه.
جاء انتقام هؤلاء الشباب، ومعظمهم من الفلسطينيين، عبر إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة على دفعتين، في 22 و28 آذار الماضي، لتردّ إسرائيل بقصف القرى الجنوبية والضاحية الجنوبية مهدّدة بتوسيع هجماتها.
سريعًا فُتح تحقيق في الحادثة خوفًا من تداعيات خطيرة بعد خرق التدابير التي اتخذتها الحكومة، خصوصًا وأن أي جهة لم تتبنَّ العمليتين. وتوصّل التحقيق إلى تحديد المجموعة المنفّذة وتوقيف أفرادها، باستثناء شيخ يقيم في مخيّم الرشيدية يُدعى علاء الدين ياسين المعروف بـ”أبو محمود”، الذي كان قد زوّد المجموعة بالصواريخ والمال.
عشرة موقوفين من بينهم اثنان خطّطا للعملية ونفّذاها بالتعاون مع اثنين آخرين، فيما لعب الآخرون أدوارًا لوجستية، ثمّ نفوا أمام المحكمة العسكرية أي دور لهم.
ولا ينفي المنفّذون ما قاموا به من إطلاق صواريخ من بلدتي قعقعية الجسر وارنون باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ أجمعوا على أن هدفهم لم يكن خرق الهدنة بل تنفيذ عمل مقاوم بعد تأثّرهم بالمجازر التي ارتكبها العدو وخرقه لاتفاق الهدنة، مؤكدين أن “عملنا فردي من دون توجيه من أحد”.
المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد وسيم فياض استجوبت هذه المجموعة، وأصدرت مساءً حكمًا قضى بسجن الفلسطينيين مصباح منصور ونهاد عزام ويوسف البقاعي وقتيبة سليم ومحمد غوطاني مدة سنة واحدة، مع منحهم وقف تنفيذ باقي العقوبة. كما حكمت على محمد ذياب وبلال فقيه بالسجن مدة شهر، وأبطلت التعقبات عن علي محمود وفاضل حمص والفلسطيني هيثم عزام لعدم توافر العناصر الجرمية، فيما صدر الحكم غيابيًا بحق الفلسطيني علاء الدين ياسين بالاعتقال المؤقت لمدة خمس سنوات.
وجاء في حيثيات الحكم أنّ الرئاسة وجّهت أسئلة متكرّرة للمخططَين الفلسطينيين مصباح منصور ويوسف البقاعي، وللمشاركين معهما في التنفيذ نهاد عزام وقتيبة سليم ومحمد غوطاني، حول ما إذا كانت “الغاية الأساسية من العمليتين مقاومة العدو والانتقام منه، وليس خرق الهدنة”.
وبرزت في الجلسة مرافعة للمحامية عليا شلحا التي أشارت إلى أنّ اتفاق الهدنة ملزم للطرفين، لبنان والعدو الإسرائيلي، الذي استمر رغم ذلك في جرائمه، معتبرة أن عمل المتّهمين هو عمل كل مقاوم، ومفنّدة المواد القانونية التي اتُّهم بها موكّلوها، ومؤكدة أنّ العدو ليس على الحياد بل هو عدو مطلق.
كما تناولت شلحا المواثيق والاتفاقات الدولية، وانطلقت منها لتسأل: “هل نحن خرقنا الاتفاق أم ردَدنا على الخروقات؟ وهل أراضينا محتلة أم محررة؟ وهل يحقّ لنا المقاومة؟” واضعة هذه الأسئلة برسم المحكمة.
من جهتها، لحظت المحامية ريما شحرور وقوع 540 خرقًا إسرائيليًا منذ توقيع اتفاق الهدنة، وقالت إن “هؤلاء الشباب أبطال لأنهم قاوموا العدو الذي لا يردعه أحد”.
كما برزت مرافعة للمحامية هالة حمزة التي اعتبرت أنّ “المفارقة تكمن في أن المحكمة نفسها التي تحاكم العملاء، هي التي تحاكم من يقاوم العدو”، مشيرة إلى أن الاتفاقات الدولية أسمى من الدستور، وأنّ للشعوب حق المقاومة، مؤكدة أنّ لبنان ليس في حالة حياد.
أما المحامية أوهيلا طراف، فدعت إلى النظر في القضية “بعين الرحمة لا العدالة الجامدة”، فيما أشار المحامي حسن سيف الدين إلى أن “الشباب ليسوا جمعية أشرار، إنما مناضلون”، طالبًا كفّ التعقبات عن موكّليه أو منحهم الأسباب التخفيفية وفق المواد 72 و76 من قانون الأسلحة.
بدوره، طلب المحامي إلياس رعيدي إسقاط الدعوى عن موكّله من جرم الاتجار بالأسلحة لسبق الملاحقة.