المحلية

العميد منير شحادة

العميد منير شحادة

ليبانون ديبايت
الأحد 09 تشرين الثاني 2025 - 13:08 ليبانون ديبايت
العميد منير شحادة

العميد منير شحادة

ليبانون ديبايت

إذا عجزت الدولة تكلّم الشعب… بعد كتاب حزب الله المفتوح – الجنرال منير شحادة يضع النقاط على الحروف!

إذا عجزت الدولة تكلّم الشعب… بعد كتاب حزب الله المفتوح – الجنرال منير شحادة يضع النقاط على الحروف!

"ليبانون ديبايت" - العميد منير شحادة

يُعدّ حقّ الشعوب في الدفاع عن نفسها من الحقوق الطبيعية والإنسانية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الدولية على حدّ سواء، إذ لا يمكن أن تُفرض على الشعوب حالة من الخضوع أو الاستسلام في مواجهة العدوان الخارجي أو الاحتلال الأجنبي. ومع ذلك، يطرح هذا الحق إشكالًا قانونيًا وسياسيًا دقيقًا عندما تكون الدولة عاجزة عن الدفاع عن أراضيها أو ضعيفة القدرات العسكرية. فهل يظلّ حقّ الدفاع حكرًا على الدولة وحدها؟ أم يحقّ للشعب أن يمارس هذا الحقّ نيابة عنها عند الضرورة؟


أولًا: الأساس القانوني الدولي لحقّ الدفاع عن النفس


1. ميثاق الأمم المتحدة


ينصّ ميثاق الأمم المتحدة في المادة (51) على أن:


“ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحقّ الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.”


ويُفهم من هذا النصّ أن حقّ الدفاع عن النفس هو حقّ سيادي للدولة في مواجهة العدوان الخارجي. ومع ذلك، لم يمنع الميثاق ضمنًا ممارسة الشعوب لهذا الحقّ في حال عجز السلطة الشرعية عن حماية البلاد، إذ إن الدفاع عن الوجود والسيادة حقّ جماعي لا يسقط بسقوط القدرة الرسمية على ممارسته.


2. قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقّ الشعوب في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال


اعترفت الأمم المتحدة بشرعية نضال الشعوب ضدّ الاحتلال والعدوان الأجنبي في عدد من قراراتها، منها:

• القرار رقم (1514) لعام 1960: إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة، الذي نصّ على أن “لكل الشعوب الحقّ في تقرير مصيرها بحرية”.

• القرار رقم (2625) لعام 1970: المتعلّق بمبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية بين الدول، والذي أكد أن إخضاع الشعوب للسيطرة الاستعمارية أو الأجنبية يشكّل انتهاكًا لحقّها في تقرير مصيرها.

• القرار رقم (3070) لعام 1973: الذي نصّ على “شرعية كفاح الشعوب في سبيل التحرّر من السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي بجميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”.


تؤكد هذه القرارات أن مقاومة الاحتلال والعدوان تمثّل ممارسة مشروعة لحقّ الدفاع الذاتي حين تعجز الدولة عن حماية أرضها.


3. القانون الدولي الإنساني


تتضمن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية لعام 1977 أحكامًا تعترف بشرعية الدفاع والمقاومة، خصوصًا في سياق “النزاعات المسلحة ضدّ الاحتلال الأجنبي”.

فالمادة الأولى المشتركة من هذه الاتفاقيات تُلزم الأطراف باحترام وضمان احترام القانون الإنساني “في جميع الأحوال”، ما يعني أن الدفاع المشروع لا يفقد شرعيته لمجرّد غياب دولة قوية، شرط احترام القواعد الإنسانية للحرب وعدم استهداف المدنيين.


4. الأساس الشرعي في القوانين السماوية


جميع الشرائع السماوية أقرت مبدأ الدفاع المشروع باعتباره من الحقوق الفطرية.

ففي الشريعة الإسلامية، يقول الله تعالى:


“فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم” (البقرة: 194)،

ويقول أيضًا:

“وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم…” (الأنفال: 60).


وهذه النصوص تُعطي الحقّ للأمة في الدفاع عن نفسها حتى لو غابت الدولة أو عجزت عن القيام بواجبها الأساسي في الحماية.


ثانيًا: بين سيادة الدولة وحقّ الشعوب في المقاومة


1. مبدأ وحدة القرار الوطني


من مبادئ القانون الدولي أن الدولة وحدها هي التي تملك قرار السلم والحرب، لأن هذا القرار مرتبط بالسيادة وبالمسؤولية القانونية أمام المجتمع الدولي.

فإذا تعددت مراكز القرار داخل الدولة، أو امتلكت جماعة أو حزب حقّ استخدام القوة خارج الأطر الرسمية، فإن ذلك يُضعف السيادة الوطنية ويُفقد الدولة مكانتها القانونية، بل قد يؤدي إلى تصنيف الفعل كـ”نزاع داخلي” وليس كـ”دفاع مشروع” في نظر القانون الدولي.


2. حالة عجز الدولة وضعف قدراتها


تُعدّ حالة عجز الدولة عن الدفاع عن نفسها ظرفًا استثنائيًا يفرض إعادة النظر في كيفية ممارسة حقّ الدفاع.

فإذا كانت المؤسسات العسكرية غير قادرة على مواجهة العدوان الخارجي، أو كانت الدولة مكبّلة بمعاهدات أو ضغوط تمنعها من الردّ، فإن للشعب — بوصفه صاحب السيادة — أن يمارس الدفاع المشروع بالوسائل الممكنة، ضمن إطار الضرورة الوطنية.

ويُعدّ هذا الفعل قانونيًا إذا تحقق فيه شرطان أساسيان:

1. أن يكون الهدف الدفاع عن الوطن، لا تحقيق مصالح حزبية أو فئوية.

2. أن يُمارس الدفاع وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، مع احترام حياة المدنيين ومبدأ التناسب في استخدام القوة.


3. الانتقال المؤقت للشرعية


في مثل هذه الحالات، يمكن القول إن الشرعية في ممارسة الدفاع تنتقل انتقالًا مؤقتًا من الدولة إلى الشعب أو إلى تشكيلات وطنية تمثله، إلى حين استعادة الدولة قدرتها على ممارسة واجبها السيادي.

وقد شهد التاريخ الحديث حالات مشابهة، مثل المقاومة الفرنسية ضدّ الاحتلال النازي، والمقاومة الفيتنامية ضدّ الاستعمار، والمقاومات العربية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وكلها حركات اعترفت الأمم المتحدة بشرعيتها.


حقّ الشعوب في الدفاع عن نفسها حقّ أصيل لا يسقط بعجز الحكومات، وهو مبدأ كرّسته الشرائع السماوية وكرّسه القانون الدولي الحديث. إلا أنّ هذا الحقّ يجب أن يُمارس ضمن إطار وطني جامع يراعي مبدأ السيادة ووحدة القرار.


فحين تكون الدولة قوية، فإنها وحدها صاحبة قرار الحرب والسلم. أمّا إذا كانت عاجزة عن الدفاع، فإن للشعب أن ينهض لحماية وطنه، شريطة أن يلتزم بضوابط الشرعية الدولية والإنسانية، وأن يظلّ هدفه صون الوطن لا تقويض الدولة.


وبذلك يتحقق التوازن بين الضرورة الواقعية والشرعية القانونية، فيبقى الدفاع عن الوطن فعلًا مشروعًا لا فوضى مدمّرة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة