أثارت تسريبات مصوّرة من منشأة عسكرية إيرانية تحت الأرض عاصفة من الجدل في طهران، بعد أن نشرها مقاول مدني إيراني كان يعمل في الموقع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة وُصفت بأنها "الفضيحة الأمنية الأكبر" منذ سنوات.
ووفقًا لما نقل موقع amwaj.media، فإنّ المقاول قام في 7 تشرين الثاني 2025 بنشر مقاطع فيديو دعائية لشركته المتخصصة في صناعة الأبواب المقاومة للانفجارات وبناء الأنفاق المحصّنة، بهدف الترويج لأعماله، من دون أن يدرك أنه يكشف مرفقًا عسكريًا سريًا تابعًا للحرس الثوري الإيراني.
تُظهر اللقطات المسربة عمليات تركيب أبواب فولاذية ضخمة مقاومة للانفجار، وغرف تخزين تحت الأرض محصّنة ضد القصف الجوي، إضافة إلى ممرّات خرسانية تمتدّ على عمق كبير تحت الأرض. وقدّر محللون استخباريون، استنادًا إلى تحليل الصور، أنّ المنشأة قد تُستخدم كمخزن للأسلحة أو قاعدة لإطلاق الطائرات المسيّرة.
سارع الحرس الثوري الإيراني إلى نفي أي علاقة له بالموقع، مؤكّدًا عبر المتحدث باسمه علي نادري أنّ "الصور المنتشرة لا علاقة لها بمدن الصواريخ أو منشآت الطائرات المسيّرة التابعة لقوة الجوّ والفضاء في الحرس الثوري"، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي والإعلامي.
لكنّ اللافت، بحسب التقرير، أنّ أحد المقاطع أظهر علماً يحمل شعار الجيش النظامي الإيراني (أرتش)، ما أثار تكهّنات بأنّ المنشأة قد تعود للجيش النظامي وليس للحرس الثوري، وسط صمتٍ رسمي تام من وزارة الدفاع الإيرانية.
وتأتي هذه الحادثة في فترة حسّاسة للغاية بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإيرانية، التي استثمرت على مدى السنوات الماضية مليارات الدولارات في إنشاء شبكة واسعة من المنشآت تحت الأرض لحماية ترسانتها الصاروخية من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو الولايات المتحدة.
وفي تعليقه على الحادثة، قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط إحسان سلطاني إنّ "الفيديوهات المسرّبة تكشف حجم الفساد الإداري المتجذّر في بنية النظام الإيراني، حيث تُدار المنشآت الحساسة بعقود مدنية غير خاضعة للرقابة الأمنية الكافية". وأضاف أنّ "الخلل لم يكن ناتجًا عن تجسس خارجي بل عن انعدام الرقابة الداخلية".
ويرى مراقبون أنّ هذه الواقعة تنضمّ إلى سلسلة من الإخفاقات الأمنية التي واجهتها طهران خلال السنوات الأخيرة، بدءًا من عمليات الاغتيال التي طالت علماء نوويين وقادة في الحرس الثوري، مرورًا بعمليات التخريب في منشآت نطنز النووية، ووصولًا إلى الغارات الإسرائيلية الأخيرة في 13 حزيران التي أدّت إلى مقتل عدد من الضباط الإيرانيين.
وتُظهر الحادثة الجديدة، بحسب محللين عسكريين، ثغرات بنيوية في منظومة الأمن الصناعي والعسكري الإيراني، إذ تمكّن مقاول مدني من تصوير منشأة استراتيجية ونشرها للعلن دون أن تمرّ عبر أي مستوى من الرقابة الأمنية. ويرجّح هؤلاء أن تؤدي الفضيحة إلى اتجاه الجيش النظامي لتقليص اعتماده على الشركات الخاصة في المشاريع الحساسة، رغم أن ذلك سيزيد من الكلفة والمدة الزمنية لتنفيذ المشاريع المستقبلية.
تُختَتم القصة بجدلٍ داخلي متصاعد في إيران حول مسؤولية الإشراف على المنشآت العسكرية، في ظلّ انقسامٍ واضح بين مؤسستي الحرس الثوري والجيش النظامي (أرتش)، فيما تُظهر الواقعة هشاشة البنية الأمنية لمنشآت البلاد الحساسة التي طالما روّج النظام لكونها "محصّنة ضد الاختراق".