انطلقت أمس في مقر "الإسكوا" في بيروت أعمال المنتدى العربي للمالية العامة والموازنة بعنوان "تعزيز الإنفاق على القطاع الاجتماعي والاستدامة المالية"، الذي تنظّمه "الإسكوا" بالشراكة مع منظمة "اليونيسف"، وبرعاية وزير المالية اللبناني ياسين جابر، وبحضور وزراء ومسؤولين وخبراء من دول المنطقة وأفريقيا، إضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية وإقليمية.
استُهلّت الجلسة بكلمة لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي لـ"الإسكوا" بالإنابة د. مراد وهبة الذي قال: "ينعقد المنتدى في ظل تحديات كبرى تواجه منطقتنا، حيث تتصاعد الضغوط المالية، وتتزايد المخاطر المحدقة بالنمو، وتتفاقم الاحتياجات الاجتماعية". وأضاف: "تُطالَب الحكومات بإنجاز المزيد بموارد أقل لضمان رفاه شعوبها واستمرارية الخدمات، وهذه الأعباء ليست اقتصادية فقط، بل اختبار لعقدنا الاجتماعي وقدرة حكوماتنا على تحقيق العدالة وتوفير الفرص وتعزيز المنعة".
وأشار وهبة إلى أنّ الإنفاق الاجتماعي "يتعرض لضغوط جسيمة"، وأن الميزانيات "تتأرجح بين العاجل والمهم"، لافتاً إلى أنّ "الدعم القصير الأجل غالباً ما يطغى على الاستثمارات الاجتماعية الطويلة الأجل". وأوضح أنّ الفئات المعرضة للمخاطر "ما زالت تواجه عقبات تحول دون الحصول على الفرص التي تلبّي احتياجاتها"، في ظل ازدياد التكاليف الناجمة عن "تغيّر المناخ، والنزوح، وجهود التعافي من النزاعات".
وتابع: "مع تفاقم التزامات خدمة الدين، يتقلّص الحيّز المالي المتاح للخدمات الاجتماعية الأساسية". ورأى أن أمام الدول خيارين: "إما التعامل مع النفقات الاجتماعية كعبء، أو اعتبارها استثماراً لمستقبل أكثر عدالة ومنعة". ودعا إلى "رؤية مالية جديدة" ترتكز على الاستثمار في الناس، ورفع الكفاءة، وربط الانضباط المالي بالحماية الاجتماعية.
وأكد وهبة أنّ "المقياس الحقيقي للمالية الرشيدة ليس فقط في حجم العجز، بل في القدرة على بناء مجتمعات منيعة ومستدامة"، مشدداً على أنّ "الاستدامة المالية والتقدم الاجتماعي هدفان يعزز أحدهما الآخر". واعتبر أن المنتدى "يوفّر منصة لتبادل التجارب وإلهام الإصلاحات وتوطيد التعاون الإقليمي".
ثم ألقى وزير المالية ياسين جابر كلمة قال فيها إن الاجتماع ينعقد في "ظرف بالغ الدقة" تمرّ به المنطقة، حيث "تتقاطع التحديات الأمنية والسياسية مع ضغوط مالية واقتصادية متزايدة"، مشيراً إلى أنّ لبنان قبل أقل من عام كان "يواجه تبعات حرب إقليمية مدمّرة خلّفت خسائر جسيمة وفاقمت هشاشة الاقتصاد والمجتمع".
وأضاف جابر: "لقد عانت منطقتنا لعقود من تقلبات مزمنة وبيئات غير مستقرة أعاقت التخطيط الاستراتيجي، ودَفعت بسياساتنا العامة إلى نمط أقرب لإدارة الأزمات منه إلى صناعة الرؤى". ورأى أن انعقاد المنتدى في بيروت "يحمل رسالة أمل بأنّ منطقتنا قادرة على النهوض نحو عقد اجتماعي جديد يقوم على استعادة ثقة المواطن بالدولة".
وشدد على أنّ التحدي المطروح هو "تعزيز مصداقية وفعالية السياسات المالية بوصفها ركيزة الثقة في العمل العام"، قائلاً إنّ "الموازنة ليست مجرد أداة محاسبية، بل مرآة لأولويات المجتمع". وأوضح أن المطلوب "تحقيق توازن دقيق بين حاجات اليوم ومسؤوليات الغد، وبين الاستجابة الفورية للضغوط الاجتماعية والحفاظ على الاستقرار المالي واستدامة الدين".
وقال جابر: "تبرز أهمية تحسين استهداف الإنفاق الاجتماعي، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية، والاستثمار في رأس المال البشري، بوصفها ركائز لبناء اقتصادات أكثر صموداً وعدالة". وأضاف: "هذا التحدي ليس تقنياً فقط، بل هو مسؤولية أخلاقية ووطنية عابرة للأجيال تختصرها كلمة واحدة في المالية العامة هي الاستدامة".
وكشف وزير المالية أن "الموازنة اللبنانية لسنة 2026 خصصت نصفها للإنفاق الاجتماعي"، لافتاً إلى أنّ "الجزء الاستثماري لا يتعدى 11%، ويُعوَّض عنه بقروض طويلة الأجل من البنك الدولي تشمل الكهرباء والمياه وقطاعات أخرى". ودعا إلى "إحياء اقتصادات المنطقة العربية، وإنهاء المشاكل، والانفتاح على بعضنا البعض".
بدوره، قال وزير المالية السوري محمد يسر برنية إنّ سورية تواجه "تحدياً استثنائياً" في سياستها المالية، مشيراً إلى أنّ نحو "9 ملايين" من السوريين في حالة انعدام أمن غذائي، إضافة إلى من هم خارج البلاد.