"ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها قرى جنوب لبنان ورشة لإعادة الإعمار. فالمشهد يتكرر منذ العام 1978 نتيجة توالي العدوان الإسرائيلي عليها. لكن ما يُميز ورشة الإعمار المُرتقبة بعد حرب الإسناد وعدوان أيلول 2024، هو ربطها بمصير سلاح حزب الله الذي يريد المجتمع الدولي سحبه، إذ أُعلن مرارا أن لا مساعدات لإعادة الإعمار من دون تنفيذ هذا البند، والذي يُترجم حاليا بعدم تحريك الحكومة ساكنا تجاه أي تفصيل يُطمئن الأهالي بأن هناك تحرك حقيقي لإعادتهم إلى قراهم، ما يعني عمليا ضرب المصلحة العامة لأهالي الجنوب عرض الحائط من قبل جميع المعنيين، وإبقائهم بصفة "النازحين" لا يعرفون متى ستبدأ عمليات إعادة إعمار منازلهم، علما أن بينهم 64,417 نازحاً ونازحة من قراهم وبيوتهم مسجلين حتى اليوم.
بالرغم من تعهد الحكومة في بيانها الوزاري في شباط 2025 "بالإسراع في إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي وإزالة الأضرار"، لم يُعلن مجلس الوزراء الى الآن عن أي خطّة لإعادة بناء المساكن المدمّرة، ولم يُعلن أي سياسة للتعويضات أو أي برامج للبناء والترميم، والحجة هي عدم وجود التمويل الكافي في خزينة الدولة وعدم قدرة الحكومة على الإستدانة. وللمقارنة بعد حرب تموز 2006 صدر نظام التعويضات فوراً ، أما بعد حرب أيلول 2024 فقد صدر قانون للتسوية، الذي يتيح لأصحاب المنازل المخالفة التي تضرّرت تسوية أوضاعهم عن طريق دفع غرامة مالية، إلا أنه صدر عن مجلس النواب باقتراح نيابي، ولم يُحل إليه من مجلس الوزراء، علماً أنه تأخر 7 أشهر قبل صدوره، في حين أن إصداره في خلال حرب 2006 كان أسرع بكثير.
ما يجدر التوقف عنده أن هناك تباينا في كلفة الإعمار بين أرقام البنك الدولي، (الذي جال وفد منه على قرى الجنوب الأسبوع الماضي)، وبين المؤسسات المختصة التابعة لحزب الله. فبلغة الأرقام كلفة إعادة الإعمار هي ما بين 7 مليارات إلى 7.5 مليارات دولار وفق تقديرات "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق" التابع لحزب الله، و11 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي من دون تفصيل الكلفة، ويوزّع "المركز الاستشاري" أرقامه على كلفة الترميم الإنشائي التي لا تتعدّى 150 مليون دولار أميركي، وهي كفيلة بتأمين السكن لنحو 7 آلاف إلى 8 آلاف عائلة، يُنفق حزب الله على كل منها ما بين 5 آلاف و6 آلاف دولار سنوياً، كبدلات إستئجار منازل بديل مؤقتة. وفي حال أُضيفت أكلاف عمليات الهدم الجزئي، فسترتفع الكلفة الإجمالية إلى ما بين 200 و250 مليون دولار، وتبلغ كلفة الترميم الجزئي(تصليحات بسيطة للمنازل) 1.5 مليار دولار، وملف الهدم الكلي (إعادة بناء منازل مهدمة أو آيلة للسقوط) 4 مليار دولار.
وتشير إحصاءات "جمعية مؤسّسة جهاد البناء الإنمائية"حتى نيسان/أبريل 2025، إلى أن 37 بالمئة من المباني المتضرّرة تقع جنوب نهر الليطاني، أي أن 63 بالمئة من المخزون السكني الذي يحتاج إلى إعادة بناء وترميم، يقع خارج المنطقة التي تريدها إسرائيل منزوعة الحجر والبشر وليس السلاح فقط. وتُشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن 85 بالمئة من النازحين حالياً يقيمون في منازل مُستأجرة، سواء على حسابهم الخاص أو بدعم مالي من حزب الله.
في هذا الوقت تؤكد الحكومة عدم قدرتها على التمويل، وما يمكنها البدء به في عملية إعادة الاعمار هو تأهيل البنى التحتية في الجنوب بقرض من البنك الدولي، وتنتظر المجلس النيابي لإقراره كي تبدأ عمليات التلزيم. مع الاشارة إلى أن رئيس الجمهورية أعدّ مسودة لملف التعويضات، أُرسلت المسودة إلى رئاسة الحكومة لكنها لم تُعتمد بعد. كما تتأخّر الحكومة ومجلس النواب في إصدار قانون لإنشاء الصندوق المستقل لاستقبال مساعدات إعادة الإعمار، والذي أشار إليه البيان الوزاري بالقول: "ستعمل الحكومة على الإسراع في إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي، وإزالة الأضرار، وتمويل كل ذلك بواسطة صندوق مخصّص لهذه الحاجة الملحّة، يمتاز بالشفافية ويسهم في إقناع المواطنين بأن الدولة تقف إلى جانبهم ولا تميز بينهم". وبحسب المختصين هذا القانون سيكون ذا فائدة كبيرة، إذ سيفتح المجال أمام المغتربين للمساهمة في تمويل مشاريع وبرامج إعادة الإعمار، لكن العبرة تبقى دائما في التنفيذ!