لبّى عددٌ من أبناء الجالية اللبنانية في كندا دعوة راعي أبرشية كندا للروم الملكيين الكاثوليك المطران ميلاد الجاويش للمشاركة في لقاءٍ مع رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل، الذي يقوم بجولة تشمل كندا والولايات المتحدة، ترافقه خلالها زوجته كارين الجميّل، للاطلاع على أوضاع الجالية اللبنانية في ظلّ اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقبل.
حضر اللقاء النائبة في البرلمان الكيبيكي اليس أبو خليل، رئيس منسقية كندا للكتائب غابي غفري، رئيسة قسم مونتريال الكتائبي جاكلين طنوس، عضو بلدية سان لوران عارف سالم، المسؤول الإعلامي في الهيئة الاغترابية الكتائبية كميل سعادة، رئيس نادي زحلة شارل أبو خاطر، مؤسِسة نادي الروتاري مهى معلوف، رجل الأعمال جميل شعيب، المحامي جوزف دورا، الأرشمندريت ربيع أبو زغيب، الأب تيودور زخور، الأب برنار باسط وفاعليات.
وشكّل اللقاء فرصةً لبحث عدد من المواضيع التي تهمّ الجالية اللبنانية، وفي طليعتها الاستحقاق الانتخابي المرتقب في العام 2026، إضافةً إلى التحديات السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، ودور الاغتراب في دعم مسيرة التغيير والإصلاح.
استهلّ المطران ميلاد الجاويش اللقاء مرحّبًا بضيوفه وبأبناء الجالية اللبنانية، منوّهًا بتمسّكهم بوطنهم الأم وحرصهم الدائم على متابعة شؤونه الوطنية والاجتماعية. ثم أكّد الحاضرون أهمية استمرار التواصل بين لبنان وأبنائه في المهجر وتعزيز المشاركة الاغترابية في الحياة الوطنية، لما يشكّله المغتربون من قوة معنوية واقتصادية وسياسية تسهم في بناء مستقبل أفضل للبنان.
بدوره عبّر النائب سامي الجميّل عن ثقته بأنّ لبنان بدأ فعليًا مرحلة جديدة بعد سنوات طويلة من الأزمات والانقسامات، مؤكدًا أن عملية النهوض لن تكون سهلة، لكنها انطلقت ولن تتوقف. وقال: "نحن نفتح صفحة جديدة في تاريخ لبنان، البلد سيقلع رغم كل الصعوبات. تمامًا كما الطائرة التي تواجه بعض الاضطرابات عند الإقلاع قبل أن تستقر في الجو، لبنان اليوم يمرّ بمرحلة مماثلة، وسيتجاوز الغيوم قريبًا".
وأشار الجميّل إلى أنّ لبنان كان مرهونًا بيد إيران طوال العشرين سنة الماضية، وأنّ تحريره من هذا النفوذ لن يتم خلال أشهر قليلة، لأنّ حزب الله متجذّر في منظومة مالية وأمنية واجتماعية قائمة منذ عقود. ولم يُخفِ وجود خطر مواجهة جديدة نتيجة تمسّك حزب الله بسلاحه، قائلاً: "إيران مصرّة على إبقاء حزب الله ذراعًا عسكرية لها في لبنان، وهذا ما يعرّض البلد لحرب جديدة. نحن نحاول تجنّبها عبر إنهاء الحالة العسكرية من الداخل بهدوء، من دون دمار، ومن دون أن تُستدرج إسرائيل إلى حرب جديدة على لبنان. لكن في النهاية، هذه الحالة ستنتهي، إمّا بالطرق السلمية، أو بالطرق الصعبة، لكنها حتمًا ستنتهي".
وفي مداخلة للمطران الجاويش، أكّد أنّ تقوية الدولة لا تعني كسر أي طائفة أو مكوّن لبناني، مشددًا على ضرورة بناء دولة قوية من دون أن ينكسر أحد.
وردّ الجميّل: "هذا تمامًا ما نريده، دولة قوية تحمي جميع اللبنانيين من دون تمييز. لكن لا يمكن فتح صفحة جديدة طالما هناك فريق يرفض مبدأ المساواة بين اللبنانيين ويتمسّك بسلاحه ومنطقه الخاص. عندما يقرّر الجميع أن لا أحد فوق الدولة، يمكننا حينها بدء مصالحة حقيقية تبني لبنان المستقبل".
وأكد أن المنطق القائم لدى حزب الله لا يسمح بقيام دولة متوازنة، لأن من يملك السلاح يملك القرار، معتبرًا أنه لا يمكن بناء دولة على منطق القوة، بل على منطق العدالة والمساواة.
وأشار الجميّل إلى أنّ لبنان يعيش مرحلة جديدة ومفصلية تختلف جذريًا عما عرفه خلال العقود الماضية، لافتًا إلى تحوّل تاريخي بين عامي 2022 و2025 بعد أكثر من 45 عامًا من الجمود السياسي وهيمنة السلاح خارج المؤسسات.
وقال: "لأول مرة منذ الحرب الأهلية، يأتي رئيس جمهورية ورئيس حكومة يعلنان بوضوح أن هدفهما هو حصر السلاح بيد الدولة وبناء دولة القانون. صحيح أن وتيرة التنفيذ بطيئة، لكن الاتجاه صحيح، وهذه أول مرة نشعر أن الدولة بدأت تمسك بزمام المبادرة".
ودعا اللبنانيين إلى عدم التفريط بهذه الفرصة، محذرًا من أن السلبية ستعيد البلاد إلى الحلقة نفسها من الفساد والانقسام. وقال إنّ هناك فرصة حقيقية لنقل لبنان إلى مرحلة أفضل، متخوفًا من أن كثرة الخيبات السابقة جعلت الناس لا تميّز بين الفرص الحقيقية والفرص المزيّفة.
وتحدث الجميّل عن تجربته السياسية منذ العام 1998، مشيرًا إلى أنه اليوم يرى ضوءًا في آخر النفق، بعدما كانت البلاد سابقًا غارقة في العتمة السياسية. وأضاف أنّ رؤيته للبنان الجديد تقوم على الحياد، واللامركزية الإدارية الموسعة، وإقامة دولة مدنية عادلة تحترم القانون وتؤمن بالحرية والمساواة.
وأكد أن الطريق نحو الإصلاح ليس سهلاً لكنه ممكن، داعيًا اللبنانيين إلى الإيمان بالمرحلة الجديدة والعمل لإنجاحها. كما دعا إلى الإسراع في التسجيل للانتخابات المقبلة، موضحًا أنّ عدد المسجّلين لم يتجاوز نحو 51 ألفًا، وهو رقم أقل من المتوقع، عازيًا ذلك إلى الغموض القانوني والسياسي و"البلوكاج" المتعمّد من بعض الجهات.
وحذّر الجميّل من أنّ ضعف الأعداد قد يُستغل ذريعة لتقليص تأثير اللبنانيين في الخارج، لافتًا إلى أنّ التسجيل واجب وطني، وأنّ من يسجّل في الخارج ولم يصوّت هناك يُدرج تلقائيًا على اللوائح داخل لبنان.
وأشار إلى أنّ التطورات الأخيرة داخل بعض القوى المسيحية، مثل التيار الوطني الحر وتيار المردة، تُظهر تغيّرًا باتجاه المطالبة بحصرية السلاح بيد الدولة، معتبرًا ذلك خطوة إيجابية نحو توحيد الموقف حول السيادة.
وختم الجميّل معتبرًا أنّ الانتخابات المقبلة فرصة لتجديد الحياة السياسية في لبنان، داعيًا اللبنانيين في الداخل والخارج إلى التسجيل والمشاركة.
وخلال اللقاء شدّد المتحدثون على أنّ الجهود المبذولة تهدف إلى إيصال صوت اللبنانيين في الخارج إلى الداخل، مؤكدين أنّ الاغتراب طاقة فاعلة وقدرة حقيقية على التأثير، وأنّ وجود السلاح خارج سلطة الدولة واستمرار الفساد أفقدا شريحة واسعة الثقة بالعملية السياسية، لكنّ المشاركة تبقى الطريق الأساسي لاستعادة الدولة.
وطالبوا بتسهيل الإجراءات أمام الراغبين في التسجيل، خصوصًا الذين يملكون جوازات أو إخراجات قديمة، واقترحوا اعتماد لوائح جاهزة من الأمن العام لتسهيل العملية.
وأكدوا أن الاغتراب اللبناني لا ينتمي إلى جهة واحدة، بل يضم لبنانيين من مختلف الاتجاهات يؤمنون بدولة القانون والسيادة، مشددين على أنّه لا يمكن لأي طرف احتكار الجالية. ولفتوا إلى أنّ بعض الأحزاب الموالية للسلاح تسعى إلى عرقلة تصويت اللبنانيين بحجة عدم القدرة على خوض حملات انتخابية في دول مثل كندا والولايات المتحدة، معتبرين أن المعارضة تواجه صعوبات مماثلة داخل لبنان.
ودعوا إلى توحيد الجهود بين الجاليات والجامعة الثقافية اللبنانية في العالم لحثّ المغتربين على التسجيل قبل انتهاء المهلة، مؤكدين أنّ التصويت في الخارج معركة وطنية لاستعادة الدولة.
كما تناول اللقاء قضية الثقة المفقودة بالدولة وضرورة استعادتها عبر خطوات ملموسة تشجع اللبنانيين على الاقتراع. وأشاروا إلى أنّ المغترب الذي بدأ حياة جديدة يحتاج إلى حافز يجعله يشعر أن صوته سيحدث فرقًا.
وفي ملف التعليم، حذّر المتحدثون من خطر يهدّد النظام التربوي نتيجة محاولات فرض مناهج موجّهة أيديولوجيًا، معتبرين أنّ ذلك يمسّ حياد التعليم ويحد من التفكير النقدي. واعتبروا أنّ استبعاد المؤسسات المستقلة من القرار التربوي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص، داعين إلى تحرك وطني لحماية التربية من التسييس.
وفي الشأن الاقتصادي، شدّد الجميّل على أنّ أي نهضة مالية تبدأ بوضع كل الاقتصاد تحت سلطة القانون، مشيرًا إلى أنّ أكثر من 50% من الدورة الاقتصادية غير منظّم ولا يدفع ضرائب.
واعتبر أنّ الفوضى المالية تجعل الدولة تعاقب الملتزمين بدل مكافأتهم، وأنّ العبء الضريبي يقع على الملتزمين وحدهم، ما يشكل خللًا يجب إصلاحه سريعًا.