المحلية

باسمة عطوي

باسمة عطوي

ليبانون ديبايت
السبت 22 تشرين الثاني 2025 - 07:05 ليبانون ديبايت
باسمة عطوي

باسمة عطوي

ليبانون ديبايت

اقتصاد الكاش يتمدّد… ومنصّات مغلقة تُفلت من يد الأميركيين في لبنان

اقتصاد الكاش يتمدّد… ومنصّات مغلقة تُفلت من يد الأميركيين في لبنان

"ليبانون ديبايت"-باسمة عطوي


في الزيارة الأخيرة لوفد الخزانة الأميركية إلى لبنان، ظهر الوفد مهتمّاً ومتوجّساً من توسّع دائرة “اقتصاد الكاش”، من دون أن يوجّه أصابع الاتهام إلى القطاع المصرفي أو مصرف لبنان. وقد أسرّ وفد الخزانة لمن التقاهم في مصرف لبنان آنذاك بأنّ عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تستهدف وسائل أخرى خارج القطاع المصرفي التقليدي. وهنا يُطرح السؤال: هل يمكن لوزارة الخزانة الأميركية أن تلعب دورًا في محاصرة “اقتصاد الكاش” الذي لا يمر بالقنوات المالية الشرعية في لبنان؟


الخوري: لبنان لا يمكنه تحمّل مسؤولية يُعجز العالم عن التعامل معها


يجيب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث لـ”ليبانون ديبايت” قائلاً:

“منذ سنوات، يشكّل لبنان إحدى النقاط الأكثر اضطرابًا على خريطة الامتثال المالي الدولية. فاقتصاده النقدي وتراجع قدرة الدولة على الرقابة جعلاه بيئة خصبة لتدفّق الأموال غير الممتثلة وفق التعريف الأميركي، سواء عبر الذهب أو الحوالات غير النظامية أو وسطاء الكاش أو شبكات العملات المشفّرة”.


ويضيف أنّ “اعتماد الجهات غير الممتثلة على أدوات مالية خارج النظام التقليدي جعل مهمة وزارة الخزانة أكثر تعقيدًا في محاولة رصد حركة الأموال المرتبطة بأنشطة مشبوهة أو محظورة. التحدّي الأكبر اليوم لا يرتبط بضعف الدولة اللبنانية فقط، بل بظهور منصّات تداول دولية كبرى غير خاضعة للامتثال الغربي، تُدار أحيانًا من مصالح إقليمية ودولية تمتلك القدرة والشبكات اللازمة للالتفاف على أنظمة العقوبات”.


ويتابع: “بعد انهيار النظام المصرفي اللبناني، انتقل الجزء الأكبر من الاقتصاد إلى الكاش، ثم إلى مزيج من الكاش والذهب، ما وفّر بيئة مثالية لحركة الأموال من دون المرور بأي مستوى رقابي. وتطوّر الأمر لاحقًا مع تداول العملات المشفّرة كوسيلة لتهريب وتخزين القيمة، خصوصًا عبر منصّات عالمية لا تلتزم بقواعد الامتثال الأميركية”.


ويشير إلى أنّ “لبنان بات متلقّيًا طبيعيًا لتدفّقات مالية يصعب تحديد مصدرها أو مراقبة استخدامها، مستفيدًا من شبكة وسطاء ماليين غير رسميين، وتداول الذهب، والحوالات من مناطق نزاع أو عقوبات، ومنصّات دولية تعمل خارج إطار KYC/AML”.


ويشرح الخوري أنّه “على خلفية العقوبات الغربية، بنت روسيا منذ عام 2022 نظامًا ماليًا موازيًا يعتمد على منصّات تداول مغلقة، ووسطاء يعملون بالروبل والعملات المستقرة، وشبكات تحويل داخلية لا تحتاج للعودة إلى النظام البنكي، وتنشط عبر واجهات مثل Telegram وTON وخدمات تعدين تشكّل مدخلًا لإنتاج أصول غير قابلة للتعقّب”.


ويضيف أنّ “هذا النموذج الروسي بُني على خبرات إيرانية تراكمت عبر 15 عامًا من التعامل مع المشفّرات، وفق تقرير لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، ما أدى إلى ظهور نظام موازٍ في اقتصاد الظل يعتمد على العملات المستقرة للتسويات الثنائية ومنصّات كريبتو مغلقة لا تمر بالنظام البنكي”.


ويؤكد الخوري أنّ “هذه الأنظمة الرقمية الخارجة عن الرقابة لا تتأثر كثيرًا بالضغط الأميركي، لأنها لا تعتمد البنوك المراسلة ولا تخضع لقواعد الامتثال الغربية، وهي تُدار من دول، لا من هواة أو عصابات صغيرة”.


ويتابع: “يصعب ضبط هذه الأنظمة في لبنان، لأن البلد يشكّل بيئة مثالية لتقاطع هذه الشبكات. شبكات الكاش، تجارة الذهب، الحدود المفتوحة نسبيًا، وكثافة التداولات غير الرسمية تجعل لبنان ساحة سهلة لاستقبال أموال يصعب تتبّع مسارها”.


كما يوضح أنّ “المنصّات المغلقة لا تحتاج حتى إلى تحويل الأموال إلى كاش، فالمستخدمون يتعاملون داخلها من دون المرور بأي مصرف لبناني أو أجنبي، ما يعني أنّ وزارة الخزانة لا ترى شيئًا إلا عند نقطة الخروج، وهذه النقطة قد لا تأتي أصلًا”.


ويشير إلى أنّ “الاقتصاد اللبناني نفسه أصبح حاضنة قيمة، ولا يحتاج المتعاملون فيه إلى تحويل الأموال للدولار النظامي أو دخول النظام المصرفي، إذ يكفي استخدام مزيج الذهب والكاش والعملات المشفّرة للحفاظ على القيمة أو نقلها محليًا”.


ويضيف أنّ “الجهات المشتبه بها تتعامل مع منصّات أجنبية خارج النفوذ الأميركي، مثل المنصّات الروسية والإيرانية وغيرها في أميركا اللاتينية وشرق آسيا، وهي تعمل دون تسجيل في نطاقات خاضعة للنفوذ الأميركي، ما يجعل قدرة واشنطن التنفيذية محدودة ما لم تضغط على مزوّدي التكنولوجيا أو على الدول نفسها”.


ويقول الخوري: “وزارة الخزانة تملك قوة ضغط هائلة عبر نظام العقوبات وتجميد الأصول وقوائم SDN والتعاون مع القطاع المصرفي العالمي. لكنها تعمل فقط حين يكون الطرف الآخر مرتبطًا بالنظام الدولي. أما حين تنتقل الأموال إلى منصّات لا تتعامل بالدولار ولا تستخدم مصارف أو خوادم في دول متعاونة، فإن قدرة الوزارة على الرصد تصبح استخبارية أكثر منها مالية”.


ويتابع: “الخزانة يمكنها مراقبة لحظة التحويل من الأصول الرقمية إلى أموال تقليدية، سواء عبر الصرّافين أو شراء السلع بكميات كبيرة، أو تجارة الذهب، أو العقارات، أو استخدام دول وسيطة. كما يمكنها الضغط على المصارف المراسلة في المنطقة لضبط جزء من حركة الأموال، وضرب الوسطاء المحليين الذين يعملون كجسور بين النظام الرقمي الموازي والنظام النقدي التقليدي”.


لكن في المقابل، “يصعب على الخزانة الوصول إلى المنصّات الأجنبية غير الممتثلة أو تعطيلها، لأنها جزء من ترتيبات جيوسياسية دولية جديدة”.


ويختم الخوري: “تتراجع فرص نجاح الخزانة الأميركية في ضبط مصدر وحركة الأموال غير الممتثلة في لبنان مع توسّع المنصّات الموازية، وزيادة اعتماد الجهات المحلية على أنظمة تداول مغلقة، وانتقال شبكات التهريب المالي إلى دول تدير منصّات خارج الامتثال، وتراجع الارتباط البنكي بلبنان”.


ويؤكّد أنّ “لبنان لا يمكنه تحمّل مسؤولية موضوع دولي معقّد كهذا في وقت تعجز دول كبرى عن التعامل معه”، معتبرًا أنّ “الرقابة الأميركية ستظل جزئية ومحدودة، ولن تكون شاملة ما لم تظهر سلطة محلية قادرة على بناء منظومة رقابية كاملة، وهذا غير متاح في المدى المنظور”.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة