"ليبانون ديبايت"
تعيش غزة اليوم واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا وحساسية منذ بدء العدوان، حيث يستمرّ الاحتلال في خرق التفاهمات والاتفاقيات المتعلقة بوقف إطلاق النار، عبر شنّ هجمات متفرّقة وعمليات استهداف مباشر تؤدي يوميًا إلى سقوط شهداء وجرحى، في مشهد يعكس حالة من الفوضى الميدانية ومحاولة فرض واقع جديد بالقوة. وفي هذا السياق، يقدّم المسؤول الإعلامي لحركة حماس في لبنان، وليد الكيلاني، قراءة واضحة لمجمل الانتهاكات الأخيرة، مبيّنًا حرص الحركة على الالتزام بالاتفاق، مقابل سعي الاحتلال الدائم إلى التنصّل منه. ويضع الكيلاني ما يجري في غزة ضمن إطار أوسع يشبه، إلى حدّ كبير، التجربة الإسرائيلية في لبنان.
ويذكّر الكيلاني، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، بما حصل يوم أمس، حيث ادّعت إسرائيل أنّ أحد المسلّحين أطلق النار على العدو في عمورية، فقامت بالردّ، مما أدّى إلى ارتقاء ما يقارب ثلاثين شهيدًا آخرين، من بينهم ستّة مقاومين كانوا داخل سيارة وتمّ استهدافهم، لأنّ الاحتلال لا يحتاج أصلًا إلى ذريعة ليقتل. وشدّد على أنّ “حركة حماس” طلبت الكشف عن هوية هذا المسلّح كي لا يستغلّ الاحتلال الحادثة لفتح الباب أمام مزيد من الاعتداءات.
ورَوَّج العدو في بعض الوسائل أنّ حركة حماس أعلنت انتهاء الاتفاق والعودة إلى الحرب، لكنّ الحركة نفت ذلك بشكل كامل، أو أن تكون قد أدلت بأي تصريحات تشير إلى تراجعها عن الاتفاق، وأكّدت أنها لا تزال متمسّكة به وستواصل الالتزام بما اتُّفق عليه.
ويشير إلى أنّه تمّت دعوة الوسطاء لأخذ دورهم وضبط الاحتلال وإرغامه على تنفيذ ما تمّ التوافق عليه، وهو وقف إطلاق النار.
وعن احتمال استنساخ التجربة الإسرائيلية في لبنان على غزة، يحمل الكيلاني المسؤولية في هذا الإطار إلى الضامنين الدوليين من مصر وقطر وتركيا وأميركا، الذين عليهم ضبط الأمر. لكنّ المشكلة أنّ الجانب الإسرائيلي يحاول أن يطبّق في غزة ما يفعله في لبنان؛ أي أنّه يسعى إلى "لبننة" الملف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فهو يريد أن يقصف ويجتاح ويتوغّل ويقتل دون أي رادع، ودون أي التزام بالاتفاقيات، بل ويتنصّل من كل ما وقّع عليه سابقًا. وباختصار شديد: المعادلة الحالية تظهر أنّ الاحتلال يحاول فرض أمر واقع بالقوة.
أمّا عن احتمال صمت حماس عن كل الاعتداءات كما حصل مع المقاومة في لبنان، فيلفت إلى أنّ المقاومة في غزة في موضع مراقبة لسلوك الاحتلال في القطاع، ومن خلال النتائج التي تصدر عن هذه المراقبة، ستقول المقاومة كلمتها. فقد صدر أمس توضيح يؤكّد أنّ الحركة نفت تمامًا أن تكون قد صرّحت بالعودة إلى الحرب، وهي كانت قد قالت سابقًا إنها ما دامت الاتفاقية قائمة والاحتلال ملتزم بها، فهي أيضًا ملتزمة. لكن تبيّن بوضوح أنّ الاحتلال غير ملتزم إطلاقًا بالاتفاقية، إذ يواصل ارتكاب المجازر والقتل بلا رادع. لذلك سيتمّ النظر في الأمر من زاوية جديدة: فإذا كان هذا العدو لا يريد الالتزام بالاتفاقية، فإنّ المقاومة ستتوجّه أوّلًا إلى الضامنين الدوليين للمطالبة بالوقوف عند مسؤولياتهم، وبإلزام الاحتلال بتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه، مع تحميله وحده مسؤولية خرق التفاهمات.
وينبّه في هذا الإطار إلى أنّ الجميع يعلم أنّ هذا العدو لا يلتزم لا بعهود ولا باتفاقيات، ودائمًا ما يقوم بخرقها بطريقة فجّة، كما حصل في لبنان، واليوم تتكرّر الصورة نفسها في غزة تحت ذرائع مختلفة. ويشير إلى العدوان على مخيّم عين الحلوة قبل أيام، حين ادّعى الاحتلال أنها “منشأة عسكرية للمقاومة”، بينما أثبتت الأدلة المصوّرة التي نقلها عدد من الزملاء الذين دخلوا إلى موقع الاستهداف أنّها منشأة رياضية مدنية معروفة لدى أبناء المخيّم.
وفيما يتعلّق بسلاح المقاومة بعد إنجاز الاتفاق ـ إذا كُتب له النجاح ـ يكرّر الموقف الثابت، وهو أنّ هذا السلاح مرتبط بالاحتلال؛ فطالما الاحتلال موجود ستكون هناك مقاومة. ويشير إلى أنّ الإسرائيلي يتذرّع بذرائع واهية للاعتداء على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، دون أن يلقي بالًا لوجود سلاح بيد المقاومة من عدمه، فالأمر سيّان لديه.
ويشدّد على أنّ هذا السلاح، في الأصل، مرتبط بوجود دولة فلسطينية حقيقية. فإذا قامت دولة فلسطينية ذات سيادة، لها جيش رسمي وقيادة واضحة، وهذا الجيش يحمي حدود الدولة ويحفظ أمنها، فعندها لا يعود هناك حاجة لهذا السلاح، لأنّ مهمة حماية الشعب تنتقل تلقائيًا إلى الجيش الوطني. وإذا كانت هذه الدولة قائمة ومعترفًا بها وبحدود واضحة، فإنّ الحفاظ عليها يحتاج إلى جيش قوي قادر على حماية وجودها. أمّا إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية شعبها، فماذا يُطلب من الشعب؟ هل يُطلب منه أن يرفع الراية البيضاء أو أن يستسلم؟ هذا أمر غير وارد إطلاقًا.