في تحليل موسّع نشره موقع "واينت" (Ynet) للكاتب والمحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، تمّ استعراض خلفيات وأهداف اغتيال رئيس أركان حزب الله، هيثم علي طباطبائي، في الغارة التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت. وبحسب بن يشاي، فإن العملية التي تبنّتها رسميًا أعلى المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل حملت رسالتين واضحتين: الأولى توجيه إنذار حاد للحكومة اللبنانية وللجيش اللبناني ولقيادة حزب الله بأن إسرائيل لن تقبل استمرار وتيرة إعادة بناء القدرات العسكرية للحزب، والثانية تكريس مبدأ "المنع الوقائي" الذي أصبح حجر أساس في العقيدة الأمنية الإسرائيلية بعد أحداث 7 تشرين الأول 2023.
ووفقًا للتحليل، فإن الاستخبارات الإسرائيلية ترصد منذ أشهر زيادة كبيرة في عمليات إعادة التسلّح وتطوير القدرات في صفوف حزب الله، ليس فقط في جنوب لبنان بل في مناطق أوسع، لا سيما في البقاع، حيث يتلقّى الحزب شحنات من مكونات أنظمة السلاح والمعدات عبر سوريا والبحر، ويحاول تجديد خطوط الإنتاج والتدريب على صواريخ دقيقة كما كان يفعل قبل الحرب.
ويشير بن يشاي إلى أنّ استهداف طباطبائي تمّ بعلم مسبق وبتنسيق مع القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، ما يعني — بحسب رأيه — وجود "موافقة ضمنية" من الإدارة الأميركية على العملية. ويشرح المحلل أنّ هذا التنسيق يأتي نتيجة تقاطع مصالح بين واشنطن وتل أبيب، إذ ترغب إسرائيل في تصفية أحد أكثر القادة العسكريين خبرة في حزب الله، والذي شارك في إدارة عمليات المحور في اليمن وسوريا والعراق، بينما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تسجيل إنجاز سياسي في الشرق الأوسط وتعزيز موقعه الدولي.
وكان طباطبائي قد تولى منصبه كرئيس لأركان حزب الله مؤخرًا. ويعتبر بن يشاي أن طباطبائي، الذي كان قائد وحدة "الرضوان" سابقًا، يُعدّ من أكثر قادة الحزب خبرة، وأن اغتياله يمثّل ضربة نوعية للحزب، كونه القائد رقم 175 الذي يتم تصفيته منذ بداية الحرب قبل أكثر من عامين.
ويقول الكاتب إن مبدأ "المنع" الذي تتبناه إسرائيل اليوم يقوم على استباق خطر تعاظم قوة أعدائها قبل أن يتحول إلى تهديد مباشر، خصوصًا لسكان شمال إسرائيل. وبحسب هذا المبدأ، فإن إسرائيل لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء قدراته أو تطوير سلاحه الدقيق أو تعزيز بنيته القتالية في الجنوب أو البقاع، حتى لو أدّى ذلك إلى عمليات تصعيد محدودة.
أما على الجانب الأميركي، فيوضح التحليل أنّ دعم واشنطن لتصعيد تدريجي في لبنان مرتبط برغبة الرئيس ترامب في فرض مسار سياسي جديد يضغط على بيروت لتفكيك منظومة حزب الله العسكرية، ويدفعها إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، إضافة إلى الحصول على تمويل خليجي — سعودي على وجه الخصوص — لمرحلة إعادة إعمار مستقبلية. ويشير التقرير إلى أنّ ترامب لوّح للحكومة اللبنانية بأن الولايات المتحدة لن تساهم في إنقاذ الاقتصاد اللبناني إذا لم تلتزم بيروت بتفكيك سلاح الحزب والدخول في مسار سياسي واضح مع تل أبيب، قبل نهاية العام.
ويرى بن يشاي أن الرئيس اللبناني جوزيف عون وقادة الجيش اللبناني يواجهون صعوبة كبيرة في التعامل مع حزب الله أو محاولة الحد من استقلاليته العسكرية، نظرًا إلى حساسية الوضع الطائفي، ووجود عدد كبير من العسكريين الشيعة داخل الجيش، ما يجعل أي صدام داخلي "خطًا أحمر" قد يقود إلى حرب أهلية.
ويضيف المحلل أنّ الغارة التي استهدفت طباطبائي في بيروت تهدف أيضًا إلى كسر الجمود في الجبهة الشمالية، بعد أشهر من الاحتقان والتوتر. لكنه يحذر من احتمال أن يرد الحزب بضربات باستخدام المسيّرات أو الطائرات الانتحارية أو حتى الصواريخ الباليستية ضد بلدات الشمال الإسرائيلي. ويشير إلى أن سكان الجليل والحدود مطالبون بالحذر الشديد خلال الأيام المقبلة.
وبحسب بن يشاي، يدرك حزب الله أنه إذا وجّه ضربة مباشرة للمدنيين الإسرائيليين، فإنه سيخسر "ما تبقى له من قدرات الردع"، وأن إسرائيل ستكون مستعدة لعملية واسعة قد تفقده ما تبقّى من بنية عسكرية. وهو ما يجعل قيادة الحزب — وفق التحليل — في حالة تردد واضحة.
ويرى الكاتب أن نية الانتقام داخل حزب الله تتصارع مع الخشية من انفجار شامل قد يُنهي ما تبقى من قوته القتالية، خصوصًا بعد الضربة القاسية التي تلقاها في قلب الضاحية، "القلب النابض للدولة اللبنانية" كما يسميها بن يشاي بلهجة انتقادية.
ويختتم بن يشاي مقاله بالإشارة إلى أنّ الأيام المقبلة ستكون حاسمة، وأن ردّ حزب الله سيحدد ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو تصعيد واسع، أو نحو مرحلة جديدة من الضغط السياسي والعسكري الذي قد يفرض على الحزب — عاجلًا أم آجلًا — تقديم تنازلات على الساحة اللبنانية.