“ليبانون ديبايت”
لم ينتظر “مرشد الجمهورية” رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع كثيراً بعد اغتيال أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله، هيثم الطبطبائي. فقد وجد جعجع في الاستهداف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية فرصة جديدة لمهاجمة رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، بدل توجيه أي إدانة واضحة لانتهاك السيادة اللبنانية، في سياق نهج ثابت بدأ منذ انتخاب عون رئيساً: تقويض موقع الرئاسة والحكومة وتعويم نفسه سلطة موازية فوق المؤسسات.
بيان جعجع الأخير لم يكن موقفاً سياسياً عادياً، بل محاولة واضحة لتعزيز صورة الدولة الضعيفة مقابل شخصية “مرشد الجمهورية” الذي يُملي على الحكم توجيهاته. لغة البيان تكشف الكثير: نبرة تعليمية، لهجة استعلائية، وروحية وصيّ يوجّه الدولة كما لو أنّ القرار الوطني يُصاغ في معراب لا في المؤسسات الشرعية. بدا الرجل وكأنه يتحدّث باسم الجمهورية، لا كرئيس حزب سياسي.
وتقرأ مصادر سياسية البيان كجزء من استراتيجية راسخة: استغلال كل حادث أمني أو سياسي مهما كان حساساً لتسجيل نقاط على العهد والحكومة وزيادة الضغط عليهما. ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، يسعى جعجع إلى إعادة رسم موقعه كصاحب كلمة فوق المؤسسات، وإلى تهيئة الأرضية لخيارات مختلفة، بينها الاستقالة من الحكومة أو شنّ مواجهة سياسية شاملة، في حال احتاجت مصلحته الشخصية إلى ذلك.
وتشير القراءات نفسها إلى أنّ جعجع يدرك تماماً أنّ نفوذه لا ينمو إلا في ظل دولة ضعيفة؛ كلما اهتزّت المؤسسات، تمدّد دوره. وكلما ارتبكت السلطة الشرعية، تقدّم هو ليملأ الفراغ. إنها لعبة سياسية يعرفها جيداً: لا دور كبير له في ظل دولة قوية، بل في ظل دولة متروكة على حافة الانهيار والصدام.
وفي البيان، رفع جعجع مستوى التصعيد عبر دعوة مباشرة للرئاسة والحكومة إلى عقد “جلسة طارئة” وتنفيذ فوري لقراري 5 و7 آب، وكأنه يُصدر تعليماته من معراب إلى السلطات الدستورية. هذه اللغة لا تأتي من موقع الرأي أو الاقتراح، بل من موقع من يضع جدول أعمال الجمهورية من مقرّ حزبي، وهو سلوك ينسجم مع محاولة دائمة لفرض نفسه في موقع الوصيّ على القرار السياسي.
وفي لحظة كان يُفترض أن تجمع اللبنانيين لمواجهة التحدّيات الأمنية، اختار جعجع استثمار الاغتيال لفتح معركة جديدة ضد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، عبر توجيه سهامه نحو الدولة بدل الخارج الذي نفّذ الاغتيال. وهذا النهج، برأي المراقبين، يضع حسابات جعجع السياسية فوق أي اعتبار وطني، ويجعل كل حدث أمني فرصة لتكريس دور معراب كسلطة رديفة ومتقدمة على الشرعية.
وفي ما يلي نصّ بيان جعجع كما صدر عن معراب:
معراب في 23 تشرين الثاني 2025
صدر عن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، البيان التالي:
“فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، دولة رئيس الحكومة اللبنانية، لمواجهة الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف اليوم الضاحية الجنوبية، لا نستطيع التصرف كالعادة: مهاجمة إسرائيل ولعنها، والتقدُّم بشكوى إلى مجلس الأمن. فهذه الخطوات لم تُفِد يوماً بشيء، وعلى الأكيد لن تفيد اليوم.
إذا كان لدينا أي طريقة، وأؤكد أي طريقة، لإقامة توازن عسكري شرعي يمكّننا من إيقاف الهجمات الإسرائيلية على لبنان، وإذا كان لدينا أي وسيلة لتحقيق ذلك، فلنعتمدها فوراً.
أما إذا لم يكن لدينا هذا الخيار، وكما هو واضح وجلي، فلا يبقى أمامنا إلا طريق واحد لا غير:
الاستعانة بأصدقاء لبنان، غرباً وشرقاً، وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، مع محبتي واحترامي للآخرين جميعاً، وذلك للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وانسحابها من لبنان.
إن ما تطلبه الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية لمساعدة لبنان هو قيام دولة فعلية في لبنان فحسب، تحتكر السلاح كله والقرارين العسكري والأمني كلياً. وأصلاً، وقبل أن يكون هذا مطلباً لواشنطن والرياض وسائر العواصم الغربية والعربية، كان مطلبنا جميعاً نحن اللبنانيين، بدءاً باتفاق الطائف، مروراً بقرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701، وليس انتهاءً باتفاقية 27 تشرين الثاني 2024 وقراري مجلس الوزراء في 5 و7 آب 2025.
فخامة الرئيس، دولة الرئيس،
أتمنى دعوة مجلس الوزراء إلى جلسة طارئة لوضع قراري مجلس الوزراء في 5 و7 آب موضع التنفيذ، وإجراء مشاورات سريعة وفي العمق وبالتفاصيل كلها مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وبقية أصدقاء لبنان، للاستعانة بقدراتهم على وقف الاعتداءات الإسرائيلية نهائياً، وسحب إسرائيل من لبنان، والعودة إلى اتفاقية الهدنة لعام 1949.”