وفي هذا السياق، يشرح المحلّل والخبير الاقتصادي أحمد جابر في حديث إلى "ليبانون ديبايت" أهمية هذه الحركة السياحية ودور الزيارة البابوية في تنشيط الدورة الاقتصادية، محذّرًا في الوقت نفسه من موجات التهويل السياسي والإعلامي التي تهدد بعرقلة هذا المسار الإيجابي.
ويشير جابر إلى أن حركة المطار خلال اليومين الأولين من الموسم السياحي سجّلت ارتفاعًا في عدد القادمين من الخارج بنسبة تقارب 136%، وهي نسبة مهمّة تعكس واقعًا واعدًا وتترك أثرًا مباشرًا وإيجابيًا على الحركة التجارية والاقتصادية في البلاد. غير أن بعض وسائل الإعلام، إلى جانب الضغوط الاجتماعية والسياسية، عمدت بعد زيارة البابا إلى إطلاق موجة جديدة من التهويل حول احتمال اندلاع حرب.
ويؤكد جابر أن هذا الخطاب التهويلي سبق الزيارة وترافق معها، ويبدو أنه سيستمر بعدها أيضًا، خصوصًا أن اللبنانيين يسمعون منذ شهر آب تهديدات متكررة بالحرب، تجددت في أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول، ولا يزال البعض يروّج لهذا المناخ المتشنّج وكأنّ هناك من يريد إبقاء البلاد في دائرة القلق.
لكن في الواقع، يقول جابر إن ما يحدث لا يتعدّى كونه تهويلًا سياسيًا وإعلاميًا لا يستند إلى معطيات حقيقية. ويأمل أن يسهم تفعيل المسار السياسي في لجم هذه الظاهرة والحد من الأصوات التي لا تتوقف عن إثارة مناخ الحرب، مؤكدًا أن هدف الجميع يجب أن يكون تعزيز الاستقرار وترسيخ الأمن في هذا البلد.
ويضيف أن زيارة البابا شكّلت محطة إيجابية أظهرت قدرة لبنان على استقبال أحداث تحمل البركة والخير، آملاً أن تدفع هذه الزيارة نحو المزيد من الاستقرار والسلام، وأن تمنح لبنان ما يحتاجه من دعم وطمأنينة في مرحلة دقيقة.
وعن قدرة لبنان الاقتصادية خلال الأزمات، يلفت جابر إلى أنه وعلى الرغم من الحروب التي مرّ بها، فقد بقيت الحركة الاقتصادية والتجارية حاضرة في قلب الأحداث، فالحرب كانت نتيجة ظروف فرضتها التجاذبات الداخلية، إلا أن لبنان أثبت دائمًا أنه بلد عصيّ على الانكسار وقادر على مواجهة التحديات مهما اشتدت.
ويشير إلى أنه رغم قسوة المراحل الماضية، شهد لبنان الموسم الفائت تفاعلًا سياحيًا لافتًا. فعندما انتهت العمليات العسكرية وأُعلن وقف إطلاق النار، عادت الحركة السياحية بقوة، وتجلّى ذلك في الأنشطة والاحتفالات التي عمّت مختلف المناطق. وهذا الواقع يؤكد، برأي جابر، أن لبنان قادر على استقبال موسم سياحي واعد إذا توفرت له الظروف المناسبة.
ويأمل أن يكون ما يُسمع اليوم مجرد تهويل لا أكثر، وألا ينعكس سلبًا على القطاع السياحي. فلبنان بلد غني بهويته الحضارية والإنسانية، وقد حملت زيارة البابا الأخيرة رسالة جامعة تُظهر أن لبنان هو بلد التعايش والوحدة والمحبة والصلاة والتسامح. وقد انعكس هذا بوضوح في الاستقبال الواسع الذي شارك فيه اللبنانيون من مختلف الطوائف والانتماءات، ما يعكس وحدة المجتمع واحتضان لبنان لأبنائه.
ويخلص جابر إلى القول إن لبنان قادر على تحقيق موسم سياحي نشط وواعد، شرط التخفيف من الضغوط التي تمارس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الحد من الخطابات السياسية المتشنّجة التي تبثّ التوتر وتعمق الانقسام، لأن أي اهتزاز في المناخ الداخلي ينعكس فورًا على صورة لبنان وعلى قرار السائح بالمجيء إليه.