المحلية

ليبانون ديبايت
الأربعاء 03 كانون الأول 2025 - 06:58 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

رياض سلامة يفجّر حقائق مدوية.. هل يستدعي القضاء سليم صفير؟

رياض سلامة يفجّر حقائق مدوية.. هل يستدعي القضاء سليم صفير؟

"ليبانون ديبايت"


بينما تتجه الأنظار في لبنان إلى الملفات الكبرى التي تخنق يوميات الناس، خرج حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة عن صمته ليقلب الطاولة على السردية المالية الراسخة منذ بداية الانهيار.

ففي مقابلته الأخيرة مع قناة “العربية”، بدا سلامة وكأنه يقرّر للمرة الأولى كسر الحلقة المفرغة التي دارت فيها الاتهامات طوال خمس سنوات، واضعاً المسؤوليات في مسارات جديدة وصادمة. فالرجل الذي كان يوماً في قلب الأزمة، اختار هذه المرّة أن يرفع الغطاء عن الدور الحقيقي للمصارف، وعن جزء كبير من الكواليس التي ظلّت محجوبة عن الرأي العام.


تصريحات سلامة لم تأتِ عابرة، بل حملت رسائل مباشرة وغير مسبوقة، ستصطدم حكماً مع مصالح جمعية المصارف بشخص رئيسها سليم صفير، التي حاولت طيلة السنوات الماضية الحفاظ على رواية واحدة لا تُمسّ.


أولى القنابل التي فاجأ بها سلامة الرأي العام كانت إعلانه الصريح أن المصارف هي التي أدانت الدولة اللبنانية، لا مصرف لبنان. هذا الكلام، بحدِّ ذاته، ينسف سنوات من محاولة المصارف ورئيس جمعيتها سليم صفير تقديم نفسها كجهة مغلوبة على أمرها. فسلامة يؤكد أن البنوك هي التي قامت بالاكتتابات، وهي التي سوّقت للاستدانة بالدولار، وهي التي منحت الدولة القروض الضخمة طوعاً لا كرهاً، مؤكداً أن أحداً لم يجبرها على ذلك وأن قرارها كان خياراً تجارياً بحتاً. وبذلك، تصبح مسؤوليتها مباشرة وغير قابلة للالتفاف.


لكن التصريح الأخطر ربما جاء حين قال سلامة إن مصرف لبنان أعاد إلى المصارف كل الدولارات التي أخذها منها، وإن المودعين الباحثين عن أموالهم عليهم أن يتوجهوا إلى المصارف والدولة، لا إلى المصرف المركزي. هذا الكلام يضع الكرة في ملعبين فقط: المصارف التي استلمت هذه الدولارات، والدولة التي استفادت منها عبر الديون. وهو عملياً اتهام واضح بأن الودائع لم تتبخر داخل مصرف لبنان، بل داخل السيولة التي كانت تتحكم بها المصارف نفسها، وفي الإنفاق الذي قامت به الدولة من دون سقوف أو ضوابط.


ولم يتوقف سلامة عند هذا الحد، بل أطلق اتهاماً ثالثاً يتعلّق بواحدة من أكثر الملفات حساسية، وهي التحويلات التي حصلت بعد اندلاع الأزمة. فقد كشف أن هذه التحويلات جرت مباشرة بين المصارف وزبائنها النافذين والمتمولين، وأن مصرف لبنان لم يكن لديه لا صلاحية الاطلاع عليها ولا صلاحية منعها. هذا الإعلان يضرب في الصميم تبريرات المصارف التي حاولت طوال السنوات الماضية الإيحاء بأن التحويلات تمّت بضغط من المركزي أو بتوجيهاته، بينما يظهر الآن، حسب كلام سلامة، أنها كانت قرارات داخلية اتخذتها البنوك لصالح كبار المودعين على حساب صغارهم.


وفي موازاة هذه الاتهامات، أوضح سلامة أن دور مصرف لبنان لم يكن يوماً التدخل اليومي في إدارة المصارف، بل تنظيم القطاع عبر تعاميم تفرض على البنوك إنشاء لجان تراقب الائتمان ورأس المال والمخاطر. كما ذكّر بأن إدارة المصرف المركزي ليست حكماً فردياً، بل منظومة تضم المجلس المركزي، وهيئة الرقابة على المصارف، ومفوّض الحكومة الذي يمتلك صلاحية تعطيل أي قرار يعتبره مخالفاً. وهو بذلك يلمّح إلى أن المسؤوليات موزعة، وأن الادعاء بأن “الحاكم وحده يتحمّل كل شيء” هو تبسيط مضلّل للمشهد.


في المحصّلة، أعاد رياض سلامة رسم خريطة المسؤوليات بطريقة غير مسبوقة. فالمصارف، وفق رواية سليم صفير، لم تكن ضحية الانهيار، بل كانت أحد أعمدته الأساسية. والدولة، من جهتها، لم تكن بعيدة عن المشهد، بل كانت المستفيد الأكبر من الأموال التي ضخّتها المصارف في جيوبها. أما الجهات الرقابية فلم تكن غائبة، بل كانت موجودة ومطّلعة وشريكة في اتخاذ القرارات.


بهذا المعنى، لا تبدو تصريحات سلامة مجرد دفاع عن النفس، بل محاولة لكسر احتكار جمعية المصارف للرواية الرسمية. فهي تصريحات تعرّي الجمعية ورئيسها من “قناع البراءة” الذي حاول صفير ارتداءه منذ اليوم الأول للأزمة، وتضعه في موقع المساءلة المباشرة. ومن الآن فصاعداً، لم يعد ممكناً القفز فوق هذه الشهادات، ولا يمكن تجاهل أسئلة باتت أكثر إلحاحاً: من فجّر الأزمة فعلاً؟ أين تبخّرت الأموال؟ ومن يملك الشجاعة لفتح الملفات حتى النهاية؟


في ضوء ما كشفه رياض سلامة، لم يعد ممكناً لسليم صفير، بصفته رئيس جمعية المصارف، أن يختبئ خلف البيانات المنمّقة أو خلف شماعة “السياسات النقدية”. فلقد بات واضحاً أن دور المصارف لم يكن ثانوياً ولا عرضياً، بل مركزياً في صناعة الانهيار، وفي تغذية التضليل الممنهج للرأي العام، وفي إدارة لعبة حجز الودائع وتهريب الأموال إلى خارج الحدود.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة