ويوضح أبو شقرا أن هذا المشروع الذي يعدّه مصرف لبنان بالتعاون مع وزارة المالية يختلف عن المشاريع السابقة للتعافي الاقتصادي، وبشكل أساسي يطمح مصرف لبنان من خلال هذه الخطة إلى شطب حوالي 30 مليار دولار من الودائع، على اعتبار أنها فوائد إضافية أو أموال لا يمكن تبرير مصدرها أو أن مصدرها غير مشروع، إضافة إلى أموال بالليرة اللبنانية تمّ تحويلها إلى الدولار بعد 17 تشرين، عشية الانهيار الاقتصادي.
ويعتبر أن هذه الطريقة يستطيع مصرف لبنان من خلالها تخفيض الفجوة إلى 50 أو 55 مليار دولار، وفي المقابل لدى المصرف موجودات بحدود الـ50 مليار دولار، عبارة عن احتياط من عملة أجنبية بحدود 11.8 مليار دولار، وذهب ما بين 30 و40 مليار دولار، و5 مليارات دولار قيمة شركات وعقارات وأصول.
ووفق هذه الحسابات، فإن مصرف لبنان يطرح فكرة أن الموجودات تساوي المطلوبات، وتنتهي مشكلة الملاءة في القطاع المصرفي ككل، لتذهب الأمور إلى مشكلة السيولة. ويكون حلّها بتقسيط أموال صغار المودعين عبر التعميمين 158 و166 بحدود 10.5 مليارات دولار، ويبقى حدود الـ10 مليارات دولار وهي ودائع تقل عن 200 ألف دولار، وبالتالي يتمّ الانتهاء من معالجة موضوع صغار المودعين، ليبقى كبار المودعين الذين تتخطى ودائعهم الـ500 ألف دولار وما فوق، ويتم التعامل معهم إمّا على أساس أن يكونوا شركاء في أسهم المصارف أو إعطائهم سندات طويلة الأمد، أي يحصلون على ودائعهم بعد 10 أو 15 عامًا أو أكثر ربما.
وتبقى المشكلة الأساسية وفق أبو شقرا والمتمثّلة بحوالي 15 مليار دولار، والتي ترفض وزارة المالية والدولة اللبنانية الاعتراف بأنها ديون على الدولة. ويبدو أن هناك تسوية ما بأن هذا المبلغ لا يُعتبر دينًا بل حصة الدولة في رسملة مصرف لبنان، وتُحسم 5 مليارات منها، وبالتالي ترسمل الدولة المصرف المركزي بحوالي 8 مليارات دولار.
والفرق عن الخطط السابقة، وفق أبو شقرا، أن تلك لم تكن تترك للدولة والمصرف المركزي المشكلة الأكبر من الموجبات والديون، وهذا مطلب صندوق النقد الدولي، وكانت حصة الدولة في الخطط الماضية من الديون 2.5 مليار دولار، وكانت هناك بطبيعة الحال عملية شطب للودائع بما يعرف تقنيًا بـ"الهيركات". وتتم هذه العمليات بعد إصلاح القطاع المصرفي، ليتبين بعدها من هو المصرف القادر على الاتفاق مع عملائه ويمكنه تسديد القروض.
واليوم يأخذ مصرف لبنان على عاتقه في الخطة الجديدة تحمّل الحصة الأكبر. وبرأي أبو شقرا، صندوق النقد الدولي لن يوافق على هذا المشروع، فهو منذ بداية الأزمة مصرّ على ضرورة وجود تراتبية للمسؤوليات والخسائر.
ويؤكد أنه لا يمكن لمصرف لبنان والدولة أن يتحمّلا كل هذه الخسائر قبل أن تستنفد المصارف كل رساميلها وتُجرى سلسلة تغييرات داخلها، وتعيد ما يمكن إعادته من أموال المودعين، لا سيما أن الدولة لا يمكنها أن تتحمّل هذه الخسائر لأنها ستكون مثقلة في المرحلة المقبلة بالديون نتيجة القروض وإعادة الإعمار.
ويعتبر أن صندوق النقد الدولي، حتى لو أُعيدت أموال صغار المودعين، يرى أن أموال كبار المودعين من الصعب إعادتها طالما لن تكون هناك إعادة هيكلة حقيقية للقطاع المصرفي واستعادة للثقة، وبالتالي ستبقى الوعود أوراقًا من دون قيمة فعلية وكأنها فقدت.
وبهذه الطريقة، نكون بصدد إنقاذ المصارف التي تورطت في الأزمة بوعد أنها ستعيد الأموال، ولكن فعليًا هذه الأموال لن تعود لأن المصارف عاجزة عن إعادتها، والثقة مفقودة، ولم نلمس إعادة هيكلة حقيقية في القطاع المصرفي.
فالمطلوب اليوم وفق الصندوق، هو هيكلة المصارف وإزالة الشوائب منها، والإبقاء على المصارف القادرة على خدمة الاقتصاد وخروج المصارف غير القادرة. ووفق هذا الحل، يكون لبنان يضمن عدم تجدد الأزمة بعد عدد من السنوات، لأن الذهاب إلى الحل الذي يعتمدونه اليوم سيجعل كل الوعود نظرية وهشّة جدًا من دون خطط سياسية وأمنية واقتصادية، ولن تُعاد الأموال إلى أصحابها، وبالتالي لن يُلحّ القطاع المصرفي وتنقيحه. لذلك هناك حرص من الصندوق الدولي على أن تتحمل المصارف الكلفة نتيجة الأزمة، ومن الصعوبة أن تُسترجع الأموال كما تعد الخطط والدولة والمصرفيون.