"ليبانون ديبايت"-باسمة عطوي
تأخذ معاناة المودعين مع المصارف في لبنان أشكالاً متعددة، أبرزها التأخر في تحويل الأموال من مصرف إلى آخر لأيام، في حين أنّ هذه العملية لا تستغرق في بلدان أخرى سوى ثوانٍ معدودة. وفي حال أراد العميل تسريع معاملته، عليه دفع رسوم إضافية إلى جانب الرسوم الباهظة التي يتقاضاها المصرف عند سحب الأموال. كما تلجأ بعض المصارف إلى الاحتفاظ بالأموال المحوّلة من الخارج إلى لبنان لأيام معدودة تصل إلى خمسة أيام، لتوظيفها وتحقيق مردود إضافي من خلالها.
هذه الإجراءات تُظهر محاولات القيمين على القطاع المصرفي تحقيق أرباح بشتى الوسائل، في ضرب واضح للتعليمات الناظمة للعلاقة بين العميل والمصرف تحت شعار “اقتصاد لبنان الحر”. كما تشكّل مؤشراً على حالة الاستهتار التي تُمارسها المصارف بحق المودعين منذ بداية الانهيار المالي، ما يساهم في تكريس صورة سلبية لها لدى المستثمرين والأسواق المالية العالمية.
أفيوني: المصارف اللبنانية تشغّل الأموال المحوّلة
يشرح الوزير السابق والمصرفي عادل أفيوني لـ”ليبانون ديبايت” طريقة تعامل المصارف مع الحوالات المالية التي تصل إلى لبنان، قائلاً: “كثير من اللبنانيين يقومون بتحويل مبالغ مالية إلى ذويهم. الأموال تخرج من المصارف الأجنبية في اليوم ذاته وتصل إلى المصارف اللبنانية، وهذا أمر معروف عالمياً. لكن المصارف في لبنان تحتفظ بالأموال لأيام معدودة بهدف تشغيلها وتقاضي فائدة عليها”.
ويضيف: “حين يتم التحويل من مصرف لبناني إلى آخر بالدولار، يحتفظ المصرف الذي وصلت إليه الأموال بالمبلغ لأيام أيضاً بهدف تشغيله وتحقيق فوائد من خلاله. هذا ما يُعرف مصرفياً بـ’تاريخ القيمة’ (Value Date)”.
لا إيرادات للمصارف إلا الرسوم!
تتسلّح المصارف بشعار أنّ “اقتصاد لبنان الحر” يسمح لها بتحديد الرسوم وفقاً للخدمات المقدّمة للعميل، من دون تحديد رسمي من مصرف لبنان. ويختصر مصدر مصرفي لـ”ليبانون ديبايت” أسباب ارتفاع الرسوم بالقول إنّه “لا مصادر أخرى للإيرادات، ولا منافسة بين البنوك. التنافس عادة يحدّد مستوى الرسوم، لكن حالياً كل مصرف يقرّر ما يناسبه”.
ويتابع: “مصرف لبنان لا يحدد للمصارف مقدار الرسوم على الخدمات، لأن الاقتصاد حرّ. لكنه أصدر في العام 2023 تعميماً يمنع المصارف من تغيير الرسوم على الودائع الموجودة قبل الأزمة (اللّولار)، والإبقاء عليها كما كانت. أما أي زيادة في الرسوم فتطبق على الحسابات الفريش فقط”.
ويشير المصدر إلى أنّ “هناك مصارف كانت تتقاضى رسوماً أعلى من غيرها قبل الأزمة، ولا تزال مستمرة بذلك. سابقاً، كان يمكن للعميل تغيير مصرفه، أما اليوم فالخيارات محدودة إلا في ما يتعلق بالودائع الفريش. ومن يعترض يمكنه تقديم شكوى للجنة الرقابة على المصارف، ويبقى السؤال هنا حول مدى فعاليتها”.
غبريل: تأخر الحوالات بسبب وجود لبنان على اللائحة الرمادية
يشدد رئيس مركز الأبحاث في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي نسيب غبريل لـ”ليبانون ديبايت” على أنه “لا يجوز التعميم بأن كل الحوالات من لبنان إلى الخارج تتأخر، لأن معظمها يصل في الوقت المتوقع، أي خلال يومين غالباً. ويمكن للعميل طلب تحويل سريع في اليوم نفسه مقابل رسوم أعلى”.
ويشرح غبريل أن “المصارف المراسلة تُجري عمليات تدقيق إضافية على الحوالات التي مصدرها لبنان لأنه مدرج على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وعلى لائحة الاتحاد الأوروبي للبلدان المرتفعة المخاطر”.
ويضيف: “سرعة تحويل الأموال تعتمد أيضاً على البلد المُرسلة إليه، وما إذا كان يتمتع بسمعة جيدة في الأسواق المالية”.
ويرى غبريل أنه “لعودة الحوالات إلى مسارها الطبيعي، يجب تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من مجموعة العمل المالي (FATF). تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية جاء بناءً على تقرير من 360 صفحة في أيار 2023، خُصص لتقييم نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وقد مُنحت السلطات اللبنانية أكثر من عام لمعالجة الثغرات، لكنها لم تفعل”.
ويكشف أن “لبنان التزم مع (فاتف) بتطبيق 10 إجراءات لإزالة اسمه من اللائحة، أبرزها مكافحة اقتصاد الظل الذي يقدَّر حجمه وفق شركة Ernst & Young بنحو 20% من الناتج المحلي، أي ما يعادل 4.6 مليار دولار”.
ويلفت إلى أن “الإجراءات المطلوبة ليست نقدية فقط، بل مالية وقضائية وإدارية وأمنية، وتشمل قطاعات خارج رقابة مصرف لبنان. مع الإشارة إلى أن المصرف المركزي يقوم بما هو مطلوب منه ضمن القوانين، ومنها تنظيم عمل شركات تحويل الأموال وتعاميم تتعلق بالتدقيق ورفض التعامل مع جهات معيّنة”.