بعد مرور ثمانية عقود على إغلاق بيوت الدعارة في فرنسا، يعود الموضوع مجدداً إلى صدارة النقاش العام، بعدما تقدّم نائب في البرلمان الفرنسي من حزب اليمين المتطرف "التجمّع الوطني" بمقترح قانون لإعادة فتح هذه المرافق، ولكن بصيغة جديدة ومختلفة عما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية.
لقد شكّلت بيوت الدعارة جزءاً من الثقافة المحلية في فرنسا لقرون، وبلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، حيث وثّقها الفنّان تولوز لوتريك في لوحاته الشهيرة، كما ظهرت في عدد كبير من الأعمال السينمائية والأدبية. واليوم، يطرح اليمين المتطرف فكرة إحيائها من جديد — ولكن ضمن إطار قانوني منظّم.
النائب جان-فيليب تانغي، عضو البرلمان عن حزب "التجمّع الوطني" بزعامة مارين لوبان، يعمل حالياً على صياغة مشروع قانون لإعادة فتح هذه المؤسسات. وقال لصحيفة "لوموند": "النسخة الأولى من القانون جاهزة، لكن يجب تحسينها. لديّ دعم مارين لوبان لهذه المبادرة".
وأوضح تانغي أن بيوت الدعارة الجديدة "ستُدار من قبل النساء العاملات في هذا المجال أنفسهن، على شكل تعاونيات"، مشيراً إلى أنه سيتم اعتماد تسمية جديدة تختلف عن مصطلح "بيت دعارة"، لما يحمله من أثر اجتماعي سلبي. ومنذ نشر المقترح، انشغلت البرامج الفرنسية بقضية إعادة إحياء البورديلات، في نقاش أثار جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين.
أشار تانغي إلى أنه انخرط سابقاً في العمل مع جمعية تساعد النساء اللواتي يمارسن الدعارة، وقال: "شاهدت عن قرب انعدام الاستقرار، والمعاناة، والفظائع اليومية التي تعيشها هؤلاء النساء".
تاريخياً، تم إغلاق بيوت الدعارة في فرنسا عام 1946 بموجب قانون "مارت ريشارد"، الذي أدى إلى إنهاء نشاط نحو 1,400 منشأة. ريشارد، عضو مجلس بلدية باريس حينها، كانت صاحبة المبادرة. لكن في عام 1973، اعترفت لاحقاً بأن "القضاء على الدعارة أمر مستحيل"، ودعت إلى اعتماد سياسة "أخف الضررين" لضمان حماية النساء العاملات في المجال.
وفي عام 2016، أقر البرلمان الفرنسي قانوناً يجرّم شراء خدمات جنسية، فارضاً غرامة مالية مقدارها 1,500 يورو على الزبائن، في محاولة للقضاء على الظاهرة. غير أن الدعارة لم تختفِ، إذ سجّل عام 2024 وجود 1,579 ضحية مرتبطة بالاستغلال الجنسي أو الدعارة القسرية، من بينهم 659 قاصراً، وفقاً للمركز الوطني لمكافحة العنف ضد النساء.
وفي العام ذاته، كشف رئيس الوزراء آنذاك، غابرييل أتال، عن استراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الدعارة. وقالت وزيرة المساواة الاجتماعية أورور بيرجي: "من السهل جداً اليوم أن يصبح الشخص قواداً".
في هذا السياق، تأتي مبادرة تانغي لتمنح النساء العاملات في الدعارة مساحة آمنة ومحمية لإدارة حياتهن المهنية داخل مؤسسات مشتركة يدِرنَها بأنفسهن، في محاولة لجعل المهنة — التي لا تزال قائمة رغم كل القوانين — أقل خطراً وأكثر تنظيماً.
وبحسب التقديرات الرسمية الأخيرة للمركز الوطني لمناهضة العنف ضد النساء، يتراوح عدد العاملين في الدعارة في فرنسا بين 35,000 و40,000 شخص، معظمهم من النساء.