"ليبانون ديبايت"
في الوقت الذي يدور فيه همس في الكواليس النيابية عن “أمر واقع” يتمثّل بالتمديد لشركة الترابة الوطنية، سُجّل رفض أصحاب المقالع والكسّارات الموافقة على طلب التأهيل والاستثمار، والذي كانت وزيرة البيئة تمارا الزين قد وضعته على جدول أعمال مجلس الوزراء، رغم أنّه مخالف للقانون.
وتحدّثت معلومات لـ”ليبانون ديبايت”، عن أنّ اللجنة الفرعية الوزارية التي تدرس هذا الملف، قد عرضت، وفي اجتماع “عاصف” تخلّلته بعض المشادات مع ممثلين من هيئات المجتمع المدني وبعض المشاركين، طلب شركة الترابة التمديد لها بشكلٍ استثنائي لمدة عام، وذلك في غياب وزيرة البيئة.
إنّما حتى الساعة، تؤكّد المعلومات أنه لم يتمّ التوصّل إلى أي قرار في هذا الخصوص، فيما تستعدّ هيئات وممثلون عن المجتمع المدني لتحرّك بوجه أي قرار قد تتخذه هذه اللجنة، وتحديدًا الوزراء المعنيون، ويأتي في مصلحة شركة الترابة، وذلك بذريعة “حماية الصناعة الوطنية”.
ومن المعلوم أن النائبة نجاة صليبا قد أعدّت تقريرًا حول المسارات التي تنتهجها مصانع الترابة في لبنان، اعتبرت فيه أنها “ليست إجراءات قانونية عادية، بل سلسلة متكرّرة من محاولات تجاوز القوانين المرعيّة والالتفاف على الأطر التنظيمية التي رسمها المرسوم رقم 8803/2002 الذي ينظّم عمل المقالع والكسّارات.”
وممّا جاء في التقرير الذي حصلت عليه “ليبانون ديبايت”، أن “النهج واحد لا يتغيّر: طلبات ناقصة، مراجعات متكرّرة، وضغوط مستمرة لفرض الأمر الواقع على البلديات والناس والبيئة، والاستحصال على تراخيص بصورة استثنائية حتى أصبح الاستثناء هو القاعدة عمليًا، حيث يظهر هذا النموذج بوضوح في ملف شركة الترابة الوطنية خلال عام 2025، حيث سعت الشركة، بإصرار ملحوظ، إلى الحصول على تراخيص التأهيل والاستثمار في بدبهون وكفرحزير، رغم افتقار ملفها لشروط أساسية يفرضها القانون.”
واللافت أنه:
في 4 حزيران: تقدّمت الشركة بطلب إلى وزارة البيئة للحصول على ترخيص الاستثمار والتأهيل في عدد من العقارات.
في 16 حزيران: أُعيد التدقيق في الملف للمرة الثانية، ليتبيّن مجددًا وجود نواقص أساسية.
في 4 تموز: أبلغت الوزارة الشركة وجوب استكمال هذه النواقص وفقًا للأصول.
في 10 تموز: تقدّمت الشركة ببعض المستندات الإضافية، بالتزامن مع اعتراضات الأهالي من البلدتين.
في 11 تموز: تقدّم أهالي كفرحزير بعريضة موقّعة إلى وزارة البيئة للتعبير عن رفضهم الترخيص للشركة بشكل قاطع، بالإضافة إلى ورود كتاب رسمي من رئيس البلدية يؤكّد الرفض البلدي الصريح.
وهنا، لا بدّ من التذكير بأن المادة 8 من المرسوم 8803/2002 الذي ينظّم المقالع والكسارات، تنصّ على أن يكون قرار المجلس البلدي المختص، في حال عدم الموافقة، مبرّرًا وملزمًا؛ ما يعني أن إصرار الشركة على متابعة الطلب يشكّل تجاهلًا صريحًا ليس فقط لقرار المجلس البلدي بل للقانون الذي ينظّم آلية منح التراخيص.
وبالتالي، ورغم وضوح القواعد، تابعت وزارة البيئة مراجعة الملف للمرة الثالثة، لتنتهي في 18 تموز إلى رفض الطلب، إنّما ظلّت المراسلات والاجتماعات بين المدير العام للبيئة والشركة مستمرّة خلال شهري تموز وآب، في مخالفة مباشرة للآلية التي يفرضها المرسوم 8803.
وتقول النائبة صليبا في تقريرها إنه “في 16 أيلول 2025 أصدر مجلس الوزراء قرارًا ألزم فيه المجلسَ الوطني للمقالع والكسّارات بعدم تجديد أو إعطاء أي ترخيص لأي شركة غير مسدّدة لمستحقاتها البيئية والتنظيمية والمالية والضريبية وفق أوامر التحصيل. ومع ذلك، وجّه المدير العام للبيئة بتاريخ 26 أيلول إحالة إلى وزير البيئة يبيّن فيها أنّ الشركة لم تتمكّن حتى تاريخه من تأمين المستندات المطلوبة، مقترحًا الموافقة المشروطة على طلبها، وهو اقتراح يشكّل تجاوزًا مزدوجًا لكل من المرسوم 8803 وقرار مجلس الوزراء.”
ويُشار إلى أنه في 17 تشرين الثاني 2025 انعقد المجلس الوطني للمقالع والكسارات بجلسة مكتملة النصاب، واتخذ موقفًا واضحًا وحاسمًا: قضى برفض طلبَي شركة الترابة للتأهيل والاستثمار في بدبهون وكفرحزير، فأحالت وزارة البيئة الملف مجددًا إلى مجلس الوزراء.
والجدير ذكره، أنّ المرسوم 8803 لا يمنح أي جهة سياسية أو إدارية حق تجاوز قرار المجلس الوطني للمقالع، بل على العكس، يحمّله مسؤولية قبول أو رفض الطلبات، ومراقبة التقيد بالشروط، وفرض التدابير عند المخالفة (المادة 6)، كما يفرض عقوبات واضحة على أي استثمار من دون ترخيص أو خلافًا لشروط الترخيص، تصل إلى الحبس والغرامة وإقفال المقلع وإلزام المستثمر بإعادة التأهيل على نفقته (المادتان 24 و25).
وتؤكّد صليبا في تقريرها أن “جميع شركات الترابة تعتمد النهج نفسه منذ عقود: السعي إلى تجاوز المرسوم 8803 والحصول على ترخيص مشروط أو استثنائي كما جرت العادة، تحت شعار تلبية حاجات السوق وذريعة المصلحة العامة الاقتصادية. فالاستثناء نفسه أصبح يتناقض مع شروط حماية صحة المواطنين وحقوقهم الأساسية، لا سيّما حقهم في العيش في بيئة سليمة. ولا يمكن أن تأتي اعتبارات تلبية حاجات السوق المحلي والنمو الاقتصادي والصناعي على حساب استدامة الموارد. وبالتالي فإنّ حماية الموارد الطبيعية، وضمان حق اللبنانيين في بيئة سليمة، ليست رفاهية ولا ترفًا فكريًا، بل هي أساس النمو الاقتصادي الحديث، وقاعدة أي سياسة رشيدة تعترف بحدود الأرض وقدرتها على الاحتمال.”
أمّا على مستوى الحلول، فتقول صليبا إنه “لا يكون بنحر الجبال واستمرار فوضى المقالع، بل باعتماد خيارات عادلة لا تدمّر القرى ولا تلوّث الهواء، كالسماح باستيراد الكلينكر والإسمنت، وتخفيض الرسوم الجمركية على استيراد الإسمنت لضمان منافسة عادلة. فهذا التدبير المنظّم يوقف الاستنزاف والاحتكار للأسواق، ويؤمّن منافسة شفافة لتلبية حاجات السوق المحلي، ويمنع تحويل المناطق إلى ضحية لنموذج اقتصادي يقوم على نهب الموارد والإفلات من العقاب.”
وتخلص صليبا إلى التأكيد أن “معركة بدبهون وكفرحزير ليست خلافًا تقنيًا على رخصة مقلع، بل هي نموذج صارخ عن كيفية تحويل الكورة وسائر المناطق إلى ضحية لنموذج اقتصادي يقوم على نهب الموارد، وتدمير التربة والمياه والهواء، وتهجير شبابها، وقتل من تبقّى منهم بالسرطان وأمراض القلب والأمراض الصدرية. لذلك، عندما يلتزم الأهالي والبلدية بالقانون، وتلتزم وزارة البيئة والمجلس الوطني للمقالع بواجباتهم القانونية، ثم يُفتح مجددًا الباب لتدوير الملف والتفتيش عن مخارج سياسية وقانونية ملتوية، نكون أمام لحظة حاسمة: إمّا أن يُطبَّق القانون بحزم وتُحمى القرى وأهلها، وإمّا يستمر منطق الإفلات من العقاب. وبالتالي، فإنّ حماية الكورة تبدأ من وقف فوضى المقالع والكسارات، وتثبيت حق الناس في أرض سليمة وهواء نقي ومياه غير ملوّثة، وأن أي تسوية على حساب القانون والبيئة والصحة العامة مرفوضة.”