وتسأل الناشطة السياسية ميس كريدي عمّن سيحزن على سقوط الدولة ومن سيَفرح به، معتبرةً أن فئات واسعة داخل المجتمع لم تعرف الدولة أصلًا، ولم تنتمِ إليها أو تتربّى في إطارها الوطني، بل نشأت على منطق طائفي لا يمتّ إلى الهوية الجامعة بصلة.
وتقول إن 8 كانون الأول يشكّل، برأيها، اليوم الذي سقطت فيه سوريا سياسيًا، فحتى أولئك الذين باركوا سقوط النظام السابق اعترفوا بأن ما جرى إنما يفتح الباب أمام رواية جديدة، ومسار مختلف للمستقبل،لكن السؤال الذي تطرحه هو: هل يفترض بالسوريين أن يفرحوا؟ أم أن يشعروا بالألم وهم يشاهدون مئة عام من تاريخهم تُمحى بالكامل، بكل ما حملته من ذاكرة وهوية وإرث جماعي؟
وتصف كريدي هذا اليوم بأنه محطة مفصلية، وتؤكد أنها بعد قراءة دقيقة أعلنت 8/12 يوم السقوط النهائي، سقوط سوريا إلى غير رجعة.
وتشير إلى أن محاولة تقديم المشهد كإنجاز أو تغيير إيجابي محاولة غير واقعية، لأن ما حدث بحسب قولها يحمل دلالات سلبية مطلقة.
وتضيف أن تسليم البلاد إلى مجموعات مصنّفة إرهابية ذات تاريخ دموي يعني أن البلاد تتجه نحو مرحلة جديدة من العنف والمجازر، وأن ما شهده السوريون حتى الآن ليس سوى مقدمة لما هو آتٍ. فالقوى الدولية والإقليمية التي تولّت إعادة رسم الخرائط فعلت ذلك عبر آلية دموية، ونتائجها لن تكون أقل دموية.
وترى كريدي أن الوجه الصاعد اليوم إلى السلطة لا يشبه المجتمع السوري بتنوّعه، بل يفتقر إلى رؤية تثمّن هذا التنوع، فالعلاقة التي يُراد بناؤها بين الشعب والسلطة تبدو قائمة على منطق "وليّ الأمر" المفروض بالطاعة، فيما تُصفّى مكوّنات كاملة لصالح بيئات أُعدّت لاستقبال حاكم جاء بعد إسقاط دولة بكل مؤسساتها وجيشها وهيبتها، وبعد سنوات طويلة من اقتلاع شعبه وترك أجيال كاملة تنمو في مخيمات بلا هوية، تتلقّن هويات بديلة يغلب عليها الرفض والكراهية للآخر.
وتتابع: كيف يمكن بعد كل هذه التجارب تصور أي إيجابية؟ فالجماعات التي وصلت اليوم، والأيديولوجيات التي تحملها، والشريحة الشعبية التي ساندتها أو شاركت أعمالها الدموية، كلها مؤشرات على أن سوريا مقبلة على عقود طويلة من العنف والدم.
وتخلص كريدي إلى أن 8/12 هو يوم كارثي، قد لا يدرك البعض حجمه اليوم، لكن السوريين سيعودون إليه عندما يكتبون تاريخهم بوعي، إن قُدّر لهم ذلك، فالمرشحون للحكم حاليًا، كما تقول، والذين جرى استبدال الشعب بهم، يمثّلون نموذجًا لنظام جديد لا يشبه سوريا، بل أقرب إلى عملية تبديل شعبٍ كامل من أجل دولة أخرى. وتدعو إلى الاعتراف بأن ما جرى هو سقوط الدولة والوطن والقيم وكل شيء، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد من الصفر.