وفي هذا الإطار، يقدّم الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم عوض قراءة واقعية ومباشرة للمشهد، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، واضعًا الزيارة الأخيرة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان واجتماعات باريس في حجمها الحقيقي، بعيدًا عن المبالغات السياسية والإعلامية.
ويرى عوض، أن المواقف الفرنسية تجاه لبنان تُقدَّم اليوم بعنوان أكبر من حجمها الفعلي، معتبرًا أن الفرنسيين يقولون فقط "نحن هنا"، ويعيدون تذكير اللبنانيين بحضورهم، بينما في الواقع تراجع هذا الحضور إلى حدٍّ كبير، وبات تأثيره محدودًا إلى درجة أننا بالكاد نسمع لهم صوتًا هذه الفترة. وفي المقابل، يبرز الصوت الأميركي باعتباره الصوت الغالب، وفق التعبير المعروف "لا صوت يعلو فوق صوت الأميركي"، وهو ما يظهر بوضوح في مواقف واشنطن.
وبالنسبة لزيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، يشدّد عوض على ضرورة عدم تضخيمها، مؤكدًا أن باريس تحاول فقط معرفة ما جرى داخل "الميكانيزم"، وما الذي تحقق في الاجتماع الأول تزامنًا مع وصول السفير، إلى جانب الاطلاع على ما يُحكى عن المؤتمر المزمع عقده في باريس إلا أن هذا المؤتمر، بحسب عوض، ما يزال "حبراً على ورق"، من دون أي معالم جدية أو واضحة، والمشهد العام ما يزال ضبابيًا بالكامل.
وفي ما يخص اجتماع باريس الذي يجمع الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا ولبنان ممثلًا بقائد الجيش رودولف هيكل، والذي يسبق بيوم واحد الاجتماع الثاني للميكانيزم بحضور السفير سيمون كرم، يذكّر عوض بأن هذا النوع من الاجتماعات ليس جديدًا، إذ سبق أن عُقدت لقاءات مماثلة لهذه الأطراف، وجرى فيها التداول بدعم الجيش، لكن شيئًا من ذلك لم يُنفّذ، واليوم، ما لم يطرأ جديد قبل موعد الاجتماع، وهو أمر يستبعده نظرًا لضيق الوقت، فإن المتغيّرات المتوقعة ستكون محدودة، خصوصًا أن المؤتمر نفسه غير محدّد الموعد ولا الموضوع، ما يشير إلى أن الأمور لم تنضج بعد.
وفي سياق قراءة التوقيت الذي يسبق اجتماع الميكانيزم، يشير عوض إلى وجود جوّ ضاغط على إسرائيل للتهدئة في لبنان ومنع التصعيد. ويستند في ذلك إلى ما نشرته بعض وسائل الإعلام من أن البابا لاوون الـ14، بعد زيارته لبنان، تواصل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، داعيًا إيّاهما إلى تجنّب التصعيد.
ويضيف عوض أن مؤشرات صدرت من الولايات المتحدة خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، تفيد بأن الرئيس ترامب طلب من نتنياهو اعتماد الدبلوماسية بدل الخيارات العسكرية في ما يتعلق بغزة ولبنان، إلى جانب مؤشرات أخرى ترجّح استبعاد أي تصعيد كبير في الوقت الراهن. ويعتبر عوض أن التهدئة – بمعنى عدم الانزلاق إلى تصعيد واسع ستستمر حتى نهاية السنة، رغم استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، لكن ما بعد نهاية العام يبدو مشهدًا ضبابيًا غير محسوم، مع ترجيح الاتجاه نحو خفض مستوى التصعيد من دون ضمانات واضحة.
ويختم عوض بالإشارة إلى أن الثناء على تدابير الجيش اللبناني، سواء في إطار الميكانيزم أو من جانب الولايات المتحدة أحيانًا، يجب أن يترافق مع تلبية مطلب أساسي طرحه قائد الجيش، وهو انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب الليطاني، معتبرًا أن العرقلة في هذا الشأن مصدرها الجانب الإسرائيلي نفسه.