في خطوة تحمل أبعادًا سياسية ودينية لافتة، تتقاطع مستجدّات رسمية في دمشق مع تحرّكات ميدانية غير مسبوقة في حلب، في مشهد يُظهر فتح الباب واسعًا أمام نشاط المنظمات اليهودية داخل سوريا للمرة الأولى منذ عقود. فبينما أعلنت الحكومة السورية، الأربعاء، ترخيص أول منظمة تُعنى بالتراث اليهودي وإعادة الممتلكات المصادَرة، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن زيارة سرّية قام بها حاخامان إسرائيليان إلى معابد يهودية في حلب، وسط إجراءات أمنية مشدّدة وانتشار غير اعتيادي لعناصر الأمن العام. هذا التزامن يعكس، وفق مراقبين، مسارًا متدرّجًا لعودة النفوذ اليهودي والإسرائيلي إلى الداخل السوري عبر قنوات ثقافية ودينية وحقوقية، بالتوازي مع التحوّلات السياسية التي تشهدها البلاد.
وأعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات «إشهار منظمة التراث السوري اليهودي»، وهي أول منظمة تهتمّ بالإرث اليهودي تحصل على ترخيص من السلطات الجديدة. وقالت قبوات إن «هذه رسالة قوية من الدولة السورية أننا لا نميّز بين دين وآخر»، مؤكدة أنّ «سوريا تساعد جميع السوريين والسوريات من كلّ الديانات والطوائف الذين يريدون أن يبنوا دولتنا الجديدة».
من جهته، أوضح هنري حمرا، أحد مؤسسي المنظمة ونجل يوسف حمرا آخر حاخام غادر سوريا، أنّ المنظمة ستعمل على «إحصاء الأملاك اليهودية وإعادة المُصادَر منها خلال فترة النظام السابق، وأيضًا حماية المقدسات ورعايتها وإعادة ترميمها لتكون متاحة للزيارة لكلّ اليهود في العالم». وكان حمرا قد شارك في شباط الماضي في أول زيارة لوفد يهودي إلى سوريا برفقة والده، تبعتها زيارات أخرى، كما التقى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وفدًا من اليهود السوريين في نيويورك خلال مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ، معاذ مصطفى، الذي رافق الوفد، إن «هناك عشرات البيوت التي أُحصيت حتى الآن من ممتلكات اليهود التي سُلبت منهم من قبل النظام السابق».
وفي موازاة هذه الخطوة الرسمية، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تطوّر غير مسبوق في محافظة حلب، حيث أجرت منظمة يهودية زيارة إلى معبد ومدرسة يهودية مغلَقين منذ عقود في حيّ الجميلية، ضمن فعالية دينية–ثقافية شاركت فيها جمعية تعمل في شمال سوريا، بحضور حاخامين قدما من إسرائيل بشكل غير معلن. وحصل المرصد على شريط مصوّر يوثّق تفقد الموقعين، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ عقود طويلة.
وشملت الزيارة أيضًا كنيسين أثريين في الجميلية وباب النصر، فيما فرضت قوات الأمن العام طوقًا مشدّدًا على محيط الموقع ومنعت الاقتراب خلال الزيارة. ووفق المعلومات، هدفت الخطوة إلى تفقد أملاك اليهود السوريين، حيث تعهّد محافظ حلب باستلام الملف والعمل على إعادة الحقوق إلى أصحابها، بعيدًا عن شبكات الفساد التي استولت على تلك الممتلكات خلال فترة حكم النظام السابق.
ويأتي هذا التطوّر وسط تزايد واضح في وتيرة الأنشطة الإسرائيلية داخل سوريا، سواء عبر عمليات أمنية واستطلاعية، أو من خلال تحرّكات دينية وثقافية يجري تمريرها بعيدًا عن الإعلام، ما أثار استياءً لدى الأهالي وقلقًا من توسّع النفوذ الإسرائيلي في مناطق سيطرة الحكومة السورية عبر قنوات مدنية ودينية. وتشير مصادر المرصد السوري إلى أنّ زيارة الحاخامين الإسرائيليين إلى حلب تأتي بعد أسابيع من نشاطات مشابهة في دمشق، تضمنت لقاءات غير معلنة مع شخصيات محلية، في مؤشر على مسار نفوذ ناعم تسعى إسرائيل إلى تثبيته داخل سوريا، بالتوازي مع استمرار عمليات القصف والاستهدافات العسكرية جنوب البلاد.