بحسب مصادر عسكرية، يحاول الجيش أن يقول، عمليًا لا نظريًا، إنه يعمل ضمن الممكن الوطني، وإن تطبيق آليات القرار 1701 وحصر السلاح جنوب الليطاني لا يجريان وفق رغبات الخارج أو وفق جداول زمنية مفروضة من العواصم الكبرى، بل ضمن توازنات دقيقة يعرفها من خبر الأرض والناس والوقائع، ومن يعاني من الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة عبر “ليبانون ديبايت” إلى أن هذه الجولة تأتي كجزء من معركة ثقة لا تقل صعوبة عن أي مواجهة عسكرية، معركة إقناع مجتمع دولي اعتاد النظر إلى لبنان بعين الشك والوصاية، وبمنظار أمني ضيق يتجاهل غالبًا الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة.
اللافت في هذه المرحلة ليس فقط فتح المواقع العسكرية أمام الوفد الغربي، بل طبيعة الاقتراحات التي تُطرح لتطوير آلية المتابعة، وفي هذا السياق يبرز الاقتراح الفرنسي الذي نقله المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان والمتعلّق بالبث المباشر لعمليات الجيش أثناء دخوله إلى منشآت أو مخازن سلاح للجنة الميكانيزم، ما يعكس انتقال النقاش من مستوى النوايا إلى مستوى الرقابة التقنية.
يحمل هذا الاقتراح في طيّاته محاولة لضبط الصورة كاملة، بالصوت والصورة، ومن دون وسطاء، وكأن الثقة وحدها لم تعد كافية، بل تحتاج إلى كاميرا شاهدة في كل لحظة. ومع أن هذا الطرح يثير أسئلة سيادية مشروعة، إلا أن تعاطي الجيش معه، بحسب المصادر، يبدو حتى الآن براغماتيًا، يقوم على مبدأ إثبات الجدية لا تقديم التنازلات.
المعلومات عن بث مباشر جرى خلال تفتيش منزل في يانوح، وما مارسه الجيش يومها من محاولة فعلية لحماية المنزل من الاستهداف الإسرائيلي، مؤشّر إلى أن المؤسسة العسكرية دخلت فعليًا مرحلة الاختبار العملي أمام المجتمع الدولي. وفي السياق نفسه، يبرز التفاعل الإيجابي مع اقتراح تشكيل لجنة عسكرية أميركية–فرنسية للاطلاع الميداني على عمل الجيش جنوب الليطاني، وهو اقتراح أطلقه رئيس الحكومة نواف سلام وتلقّفه لودريان، ويُفهم منه أن الخارج يريد أن يكون شريكًا في المراقبة والتقييم، وقد يساهم بتبديد كل ذرائع إسرائيل واتهاماتها للجيش. علمًا أن كل الاتهامات والضغوط الإسرائيلية هدفها أولًا تغيير العقيدة القتالية للجيش وتحويل إسرائيل من عدو إلى “شريك”، وحثّ الجيش على تلبية طلبها بالدخول إلى الممتلكات الخاصة والمنازل من أجل تفتيشها، وهو ما يمكن القول إنه بدأ من بيت ليف “بالسر”، وانتقل إلى يانوح بشكل “علني”.
السؤال الحقيقي اليوم ليس ما إذا كان الجيش ينجح في تغيير نظرة المجتمع الدولي لعمله، بل ما إذا كان هذا المجتمع مستعدًا أصلًا لتغيير نظرته. فالجيش قد ينجح في إثبات أنه يقوم بما عليه ضمن حدود الممكن، وقد ينجح في كسب هامش ثقة إضافي، لكنه يصطدم دائمًا برغبة غربية في تحميل لبنان ما لا يُحمَّل لإسرائيل.
ومع ذلك، فإن ما يجري اليوم في الجنوب وفي الكواليس الدبلوماسية يوحي بأن هناك مسارًا انطلق، وأن المؤسسة العسكرية تحاول تثبيت موقعها كجهة ضامنة للاستقرار لا كأداة ضغط على الداخل. لكن تبقى النتائج غير محسومة، والرهانات متعددة، إلا أن الثابت أن الجيش يخوض معركة دقيقة بين الحفاظ على دوره الوطني وعدم الانزلاق إلى دور الشرطي الدولي، وهو يسعى أيضًا إلى الحصول على الدعم الدولي اللازم. وسيكون هناك محطة على طريق الوصول إلى هذا الدعم هذا الأسبوع في باريس، حيث يُفترض أن يُعقد لقاء للبحث في متطلبات الجيش والمؤتمر الدولي لدعمه، وسيكون مناسبة لقائد الجيش لعرض كل ما يقوم به الجيش من أعمال على مساحة الأرض اللبنانية. علمًا أنه، بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، فإن حصول هذا المؤتمر لا يزال مرتبطًا بمجموعة من الشروط التي يريد الأميركي تحقيقها، وبالتالي لا يوجد أي موعد محدّد له بعد.