بحسب ما أوردته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية في تقرير أعدّه الصحافي آفي أشكنازي، قرّر الجيش الإسرائيلي اعتماد مقاربة مختلفة في تعامله مع حزب الله، في أعقاب الدروس التي استخلصها بعد أحداث 7 تشرين الأول، وبعد نحو عام على دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيّز التنفيذ.
وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي أعلن، مساء الإثنين، أنه تعامل خلال العام الأخير مع نحو 1900 خرق نفّذه حزب الله في لبنان منذ بدء وقف إطلاق النار. ووفق المعطيات الرسمية، أسفرت هذه العمليات عن مقتل 420 عنصرًا من الحزب، بينهم 40 خلال الشهر ونصف الشهر الأخيرين فقط، ومن ضمنهم رئيس أركان حزب الله هيثم علي طبطبائي، الذي قُتل في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويُبرز التقرير التباين الحاد بين هذا الواقع وبين ما كان قائمًا في صيف 2023، قبل أسابيع من هجوم حماس في 7 تشرين الأول. ففي آب 2023، اجتاز حزب الله الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا وأقام خيمة داخل الأراضي التي تعتبرها إسرائيل تابعة لها. حينها، ساد تردّد واضح في الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي، خشية أن يؤدي أي ردّ إلى تصعيد واسع يشمل إطلاق صواريخ باتجاه شمال إسرائيل وربما العمق.
وبحسب معاريف، مرّ عام على وقف إطلاق النار الذي أنهى عملية “سهام الشمال”، وخلال هذه الفترة توصّلت إسرائيل إلى قناعة، بعد 7 تشرين الأول، بأن قواعد الاشتباك في المنطقة تغيّرت جذريًا. وفي هذا السياق، وجّه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق أول إيال زامير، رسالة حازمة إلى حزب الله خلال جولة ميدانية أجراها على الحدود اللبنانية قبل يومين، حيث التقى قادة عسكريين ورؤساء سلطات محلية في الشمال.
ونقل التقرير عن زامير قوله إن الجيش الإسرائيلي “لن يسمح للعدو بإعادة بناء قدراته، وسيردّ على كل خرق”، مؤكدًا أن نمط العمل بات واضحًا. وأضاف أن الجيش اغتال مؤخرًا راعد سعد، أحد كبار قادة الجناح العسكري لحركة حماس، الذي كان من مهندسي هجوم 7 تشرين الأول، مشددًا على أن هذه العمليات تمثّل جزءًا من سياسة ثابتة لمنع تعاظم قدرات الخصوم.
وأوضح زامير، وفق الصحيفة، أن تصفية رئيس أركان حزب الله ورئيس هيئة الإنتاج في حماس خلال فترة زمنية قصيرة تشكّل رسالة واضحة بأن إسرائيل لن تتسامح مع أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، سواء في لبنان أو في أي ساحة أخرى، وأن الجيش سيواصل العمل الاستباقي لإحباط التهديدات قبل تبلورها.
ويرى أشكنازي أن تصريحات رئيس الأركان لم تكن موجّهة فقط إلى حزب الله، بل حملت أيضًا رسائل إلى واشنطن، التي تعمل على بلورة إطار لقوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة. وبحسب التقرير، تحاول الولايات المتحدة منع إسرائيل من العودة إلى عمليات واسعة في لبنان، في إطار ما يُسمّى “جولة إضعاف إضافية لحزب الله”، مقابل دعم الجيش اللبناني وتمكينه من تنفيذ مهمة نزع سلاح الحزب، وهي مهمة يعتبر التقرير أن بيروت تجد صعوبة كبيرة في إنجازها.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن طائرات مسيّرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي نفّذت قبل أيام ثلاث غارات منفصلة في جنوب لبنان، أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر من حزب الله كانوا ينشطون في إعادة ترميم البنية التحتية العسكرية للحزب، من بينهم زكريا يحيى الحاج، الذي وُصف بأنه عنصر بارز في منطقة جويا، وكان يعمل في مجال تجنيد عناصر استخبارية.
كما تطرّق التقرير إلى الدور المتزايد للطائرات المسيّرة في العمليات الإسرائيلية، لافتًا إلى شهادة ضابط إسرائيلي، عُرّف عنه بالرمز “النقيب أ.”، تحدث عن سرعة الانتقال من المعلومة الاستخبارية إلى التنفيذ، موضحًا أن أقل من عشر دقائق فصلت بين تلقي الإنذار الأولي وبين تنفيذ الضربة التي استهدفت أحد القياديين.
ويخلص تقرير “معاريف”، بقلم آفي أشكنازي، إلى أن الرسالة باتت واضحة في كل من لبنان وغزة: إسرائيل، بعد 7 تشرين الأول، لم تعد تتردّد في استخدام قوتها العسكرية، وتتمتع بقدرات استخبارية وعملياتية عالية، خصوصًا من خلال الدمج بين المعلومات الاستخبارية الدقيقة والضربات الجوية السريعة. ويرى التقرير أن هذا التحوّل في السلوك الإسرائيلي يشكّل عامل ردع أقوى من أي قوة دولية متعددة الجنسيات قد تُنشر في المنطقة.