يفرض قانون فيدرالي أميركي جديد على وزارة العدل الإفراج، بحلول يوم الجمعة، عن مجموعة كبيرة من الوثائق التحقيقية المرتبطة بجيفري إبستين، في خطوة سلّطت شبكة “سي إن إن” الضوء على أبرز ما يجب معرفته بشأنها.
وقد أثار الإعلان المرتقب عن نشر هذه الملفات اهتمامًا واسعًا، نظرًا لما تتضمنه من تفاصيل تتعلق بالتحقيقات مع إبستين، المليونير المدان بجرائم جنسية والذي توفي عام 2019 منتحرًا داخل زنزانته. ويعود هذا الاهتمام إلى أسلوب حياته المترف، ومزاعم الاتجار الجنسي بالقاصرين، إضافة إلى علاقاته بشخصيات بارزة، من بينها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأسبق بيل كلينتون وشخصيات أجنبية رفيعة المستوى.
وفي التفاصيل، أقرّ الكونغرس الأميركي، الشهر الماضي، وبأغلبية ساحقة لا يمكن تعطيلها عبر “الفيتو”، قانونًا يُلزم وزارة العدل بنشر جميع الملفات المتعلقة بإبستين الموجودة في حوزتها. ورغم معارضة ترامب الشديدة لهذا القانون في البداية، فإنه وقّعه في نهاية المطاف بعد الدعم الواسع الذي حظي به من الحزبين ومن الرأي العام.
ومع ذلك، لا يزال الغموض يلفّ طبيعة السجلات التي ستُنشر فعليًا، وحجم المواد الجديدة التي ستُكشف، إذ جرى خلال نحو عشرين عامًا من القضايا المرتبطة بإبستين نشر آلاف الوثائق مسبقًا عبر دعاوى مدنية وطلبات سجلات عامة.
وبحسب “سي إن إن”، فإن قانون “شفافية ملفات إبستين”، المؤلف من ثلاث صفحات فقط، يحدد بوضوح ما يتوجب الإفراج عنه وما يمكن حجبه. ويُلزم الحكومة الفيدرالية بنشر نسخ “قابلة للبحث والتنزيل” من جميع السجلات والوثائق والمراسلات والمواد التحقيقية غير المصنفة سرية، والمتعلقة بإبستين وشريكته غيسلين ماكسويل، والموجودة لدى وزارة العدل أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).
وينص القانون صراحة على الإفراج عن سجلات السفر، والمواد المرتبطة بشركاء إبستين، وأي اتفاقات حصانة، وسجلات الشركات ذات الصلة، إضافة إلى المراسلات الداخلية لوزارة العدل بشأن التحقيقات، ووثائق تتعلق بوفاة إبستين عام 2019.
وتشير معلومات الشبكة إلى وجود أكثر من 300 غيغابايت من البيانات المخزّنة ضمن نظام إدارة القضايا الإلكتروني التابع للـFBI المعروف باسم “سنتينل”، وتشمل مقاطع فيديو وصورًا وتسجيلات صوتية وسجلات مكتوبة.
وأجرى الـFBI تحقيقين رئيسيين في قضية إبستين: الأول بدأ عام 2006 عقب مزاعم اعتداء جنسي في فلوريدا، وأسفر عن اتفاق “عدم ملاحقة قضائية” جنّبه اتهامات فيدرالية، فيما أدى التحقيق الثاني، ومقره نيويورك، إلى توجيه لائحة اتهام فيدرالية بالاتجار الجنسي عام 2019. وتعود الغالبية العظمى من الملفات إلى التحقيق الثاني، مع وجود مواد إضافية من التحقيق الأول في ميامي.
وأوضحت وزارة العدل، في ملفات قضائية، أنواع الوثائق التي تعتقد أنها مشمولة بالإفراج بموجب القانون، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن القائمة ليست شاملة بالكامل. وتشمل هذه المواد مستندات صادرة عن مذكرات تفتيش، وإفادات داعمة لها، ومذكرات مقابلات مع شهود أجراها الـFBI، إضافة إلى سجلات مالية ومصرفية، وسجلات سفر، ومواد من مزودي خدمات الإنترنت، وسجلات تعليمية، ووثائق من شركات محاماة تمثل الضحايا، وتقارير اعتقال، وسجلات هجرة، وتقارير تقنية عن أجهزة إلكترونية صودرت من إبستين.
كما سمح قضاة فيدراليون بالإفراج عن مواد من هيئة المحلفين الكبرى في قضايا إبستين ومحاكمة ماكسويل، وإن كان أحد القضاة قد أشار إلى أن معظم هذه المواد سبق أن أُدرج في السجل العام ولن يقدم معلومات جديدة ذات أهمية.
في المقابل، يجيز القانون للمدعية العامة بام بوندي حجب أو تنقيح أجزاء محددة من السجلات، شرط تبرير ذلك علنًا، وتشمل هذه الحالات المعلومات التي تكشف هوية الضحايا، أو المواد التي تتضمن اعتداءً جنسيًا على الأطفال أو إيذاءً جسديًا، أو ما قد يعرّض تحقيقًا فيدراليًا نشطًا للخطر، أو وثائق مصنفة سرية لحماية الأمن القومي أو السياسة الخارجية.
وأكدت “سي إن إن” أن آلاف الصور العارية أو شبه العارية التي استعادها الـFBI من ممتلكات إبستين في مانهاتن لن تُنشر علنًا.
ورغم اتساع نطاق الإفراج المرتقب، فإن هذه الوثائق تمثل جزءًا فقط من الصورة الكاملة لقضية إبستين، إذ إن هناك مواد أخرى بحوزة جهات مختلفة، من بينها وثائق حصلت عليها لجنة الرقابة في مجلس النواب من تركة إبستين، إضافة إلى سجلات مصرفية يسعى المشرعون للوصول إليها.
وفي هذا السياق، قالت الصحافية جولي كاي براون من صحيفة “ميامي هيرالد”، المتخصصة في القضية، إنها تراقب على وجه الخصوص مسودات لوائح اتهام لم تُقدَّم، ومعلومات تلقاها الـFBI من الجمهور، إضافة إلى المراسلات الداخلية بين المحققين.
وأعرب بعض المشرعين الديمقراطيين عن مخاوف من احتمال الإفراط في حجب أو تنقيح الوثائق، ولا سيما تلك التي قد تُظهر ترامب بصورة سلبية، في ظل التحقيقات الجارية بشأن شركاء إبستين.
أما الضحايا، فقد تباينت مواقفهم بين الحذر من نشر مواد قد تكشف هوياتهم، والدعوة إلى الشفافية مع تنقيح يحفظ الخصوصية. وانتقد محامو الضحايا أي إفراج لا يراعي سلامتهم، معتبرين أن الشفافية لا يجب أن تكون على حساب حماية الضحايا.
وكان قد جرى بالفعل نشر عدد كبير من الوثائق المرتبطة بالقضية عبر محاكمة ماكسويل عام 2021، وتقارير وزارة العدل، ودعاوى مدنية متعددة، إضافة إلى تقرير المفتش العام بشأن انتحار إبستين في سجن فيدرالي بمانهاتن.
وفي وقت سابق من هذا العام، نشرت وزارة العدل والـFBI دفعات من الملفات التي رُفعت عنها السرية، لكنها واجهت انتقادات واسعة لكون معظم المعلومات الواردة فيها كانت معروفة مسبقًا. كما أُفرج مؤخرًا عن مئات الصفحات من مقابلات وزارة العدل مع ماكسويل، إضافة إلى مجموعات جديدة من الوثائق والصور أصدرتها لجنة الرقابة في مجلس النواب من تركة إبستين.