وبحسب مصادر متابعة ل”ليبانون ديبايت”، يتولى النائب علي فياض التواصل مع سعيد بشكل دوري كونه المتابع للملف المالي في الحزب، وسيستمر هذا التواصل في المرحلة المقبلة. وفي ما يتعلق بوزارة الداخلية، هناك سعي من الحزب للوصول إلى حلول وسط توقف الضغوط التي تتعرض لها الوزارة لسحب العلم والخبر من الجمعية، وفي الوقت نفسه يتم تجنب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تصيب شريحة المواطنين الذين يستفيدون من “القرض الحسن”.
ونتيجة لذلك، برز منذ مطلع هذا الشهر إجراءات تقضي بإنشاء شركات تجارية خاضعة للقوانين التجارية اللبنانية ولقانون الضرائب، ودور هذه الشركات تقاسم المهام التي كانت تقوم بها جمعية “القرض الحسن” وتجزئتها على هذه الشركات، ومنها “شركة جود” المتخصصة بشراء الذهب.
تعتمد الصيغة الجديدة التي تنفذها “جود” على معاملات تجارية موثقة، تقوم على شراء الذهب من الزبائن وإعادة بيعه لهم بالتقسيط، عبر عقود وفواتير رسمية، بما يشكل انتقالًا من الإقراض المباشر إلى نموذج تجاري يحافظ على الوظيفة التمويلية ضمن إطار قانوني مغاير، لتفادي العقوبات الأميركية من جهة، وتخفيف إحراج الدولة اللبنانية من جهة ثانية.
هذا التحول في الأداء يفتح الباب أمام أسئلة عديدة، منها: هل سيسمح هذا الإجراء بتتبع حركة الأموال ومصادرها واستخداماتها كما تطلب مجموعة العمل المالي “فاتف” من لبنان، لا سيما في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة؟ فبحسب الخبراء، الاعتماد على التداول النقدي والذهب يقلّص قابلية التتبع ويضعف أدوات التدقيق اللاحق، كون الشركة غير مرتبطة بالنظام المصرفي اللبناني الذي يطبق نموذج “اعرف عميلك”، ما يمنع التحقق من هوية المستفيد النهائي من عمليات شراء الذهب. كما أن الفواتير لا تضمن بالضرورة أن العمليات تعكس نشاطًا اقتصاديًا حقيقيًا.
وهذا ما يوافق عليه الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب، الذي يوضح ل”ليبانون ديبايت” أنه “إذا لم تخضع شركة “جود” لوصاية مصرف لبنان، واقتصر الأمر على وزارة الداخلية، فهذا سيزيد الأمور تعقيدًا مع مجموعة العمل المالي “فاتف”، لأن وزارة الداخلية لا سلطة لها على التحقق من سلامة العمليات المالية، وسنبقى تحت ضغط تصنيف لبنان في المنطقة السوداء من قبل “فاتف””.
والسؤال الآخر الذي يُطرح: هل يمكن إخضاع “جود” لرقابة قانون النقد والتسليف أو لرقابة هيئة التحقيق الخاصة، كي لا تبقى خارج النظام المالي المنظم؟ لأن الترخيص التجاري وحده غير كافٍ، والأنشطة المالية مثل تجميع الأموال، الإقراض، الوساطة، أو تداول الذهب، تخضع لمعايير تنظيمية ورقابية مختلفة عن التجارة التقليدية.
الفحيلي: تحريك “القرض الحسن” لحسابات “جود” يقرّب لبنان من اللائحة السوداء
يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الفحيلي ل”ليبانون ديبايت” بالقول: “فتح مؤسسة تجارية يفترض أن يكون لها حساب مصرفي في أحد المصارف، وأن يتم التحقق من سجلها التجاري لمعرفة اسم المفوض بالتوقيع عنها، أي الجهة التي يحق لها تحريك حساباتها أو فتح حساب مصرفي لها، وهل هو مدرج على لائحة العقوبات أم لا”، لافتًا إلى أن “جمعية “القرض الحسن” القيّمة على “شركة جود” خاضعة للعقوبات منذ تموز 2007، وهناك تعميم رقم 170 الصادر عن مصرف لبنان يحظر تعامل أي مؤسسة خاضعة لرقابته، مباشرة أو غير مباشرة، مع مؤسسة غير خاضعة لرقابة مصرف لبنان أو خاضعة للعقوبات الأميركية”.
ويوضح الفحيلي أنه “في حال كان “القرض الحسن” هو المخوّل بتحريك حسابات “شركة جود”، فهذا يعني أن لبنان سيقترب أكثر من وضعه على اللائحة السوداء من قبل مجموعة العمل المالي “فاتف”، لأنه خالف المعايير الدولية التي تقضي بعدم التعامل مع جهات متهمة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.
ويشير إلى أن “استبدال “القرض الحسن” بـ”جود” يبدو للوهلة الأولى لعبة أسماء، لكنه قانونيًا يفتح سؤالًا واحدًا: هل تغيّر الاسم القانوني للكيان (الجمعية) أم تغيّر فقط الاسم المستعمل أمام الناس كعلامة أو واجهة أو تسمية خدمة؟”، مشددًا على أن “تغيير الاسم” في سياق كيان مدرج على لوائح العقوبات منذ 24 تموز 2007 وفق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، هو مسألة عالية الحساسية لاحتمال الالتباس المقصود أو غير المقصود”.
ويختم الفحيلي بالقول إن “بمنطق الحوكمة القانونية، تغيير الاسم في هذه الحالة يرفع مستوى المخاطر ويخلق مصلحة عامة في الوضوح، لأن أي التباس بين “اسم متداول” و”اسم قانوني” قد يفتح باب تضليل الغير أو إرباكهم: من هو الطرف الذي أتعاقد معه؟ من هو المسؤول قانونًا؟ وهل يمكن لاسم جديد أن يُستخدم لتخفيف أثر السمعة المرتبطة بالعقوبات؟ هذا ليس اتهامًا، بل قراءة لمعادلة المخاطر حين يكون الكيان محل تدقيق دولي معلن، كما هو حال جمعية “القرض الحسن”.