في الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة الواقع في 12 كانون الأول 2025، نحن النقيب رقم 91887 أحد ضباط مكتب مكافحة المخدرات المركزي وباللباس المدني، نثبت أنه وبناءً على محضر معلومات صادر عن مكتب المتن في فرع معلومات جبل لبنان بتاريخ 30/11/2025 والمتضمن توقيف كل من م. غ. (والدته م.) ور. أ. (والدتها ت.) بجرم المخدرات، أفاد الموقوف م. غ. بأنه يقدم على تعاطي المخدرات وترويجها لحسابه الخاص بعد استحصاله عليها من تاجر يدعى أ. أ. وقد أنكرت المدعوة ر. أ. أي علاقة لها بموضوع المخدرات. وبالاستناد إلى محضر مكتب معلومات المتن المتعلق بتفتيش منزل المدعو م. غ. في محلة الربوة، تم ضبط كمية كبيرة من المخدرات، إضافة إلى عدة لتوضيب المخدرات وميزانين حسّاسين (عدد 2). وقد وردت هذه المستندات إلى رئاسة مكتبنا بإشارة المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان للتوسع بالتحقيق ضمن الصلاحية، وإلينا من قبل العقيد رئيس مكتبنا لتثبيت الوقائع والإفادة.
وبالعودة إلى ملفات مكتبنا، تبيّن عدم وجود قيود بحق م. غ. (والدته م.) وعدم وجود قيود لرقمي الهاتف العائدين له، كما تبيّن عدم وجود قيود بحق ر. أ. (والدتها ت.) وعدم وجود قيود لرقم هاتفها. كذلك أفدنا بأن أحد الأرقام الهاتفية العائدة للتواصل يعود للمدعو ع. أ. (مجهول باقي الهوية) وبحقه أسبقية في جرائم مخدرات لعام 2023.
كما ورد في إفادة للموقوف م. أ. لدى مكتب معلومات المتن أن أرقاماً هاتفية كانت تعود لمتعاطين مخدرات يستحصلون منه على حاجتهم. وبالعودة إلى ملفات مكتبنا، لم يظهر وجود قيود بحق تلك الأرقام باستثناء رقم يعود للمدعو أ. ت. (والدته ن.) ثبتت بحقه أسبقية تعاطي مخدرات عام 2023، ورقم يعود للمدعو ب. ج. (والدته م.) وبحقه أسبقية تعاطي مخدرات عام 2019.
وعليه، انتقلنا إلى مكان توقيف كل من م. ور. حيث جرى إبراز المضبوطات أمام أنظارهما أصولاً، وتبيّن أنها تشمل كميات ضخمة ومتنوعة من المواد المخدّرة، من بينها المريوانا بأوزان مختلفة (أكياس ومرطبانات ومظاريف)، وحشيشة الكيف، والكوكايين، وحبوب كبتاغون، وحبوب XTC ومواد يشتبه بأنها MDMA، إضافة إلى عبوات مدون عليها كيتامين، وزيت حشيشة الكيف، وأوراق ودفاتر لف، ومصافٍ وأدوات تستخدم في تحضير المخدرات، وميزانين حسّاسين، ومواد توضيب (مظاريف نيلون صغيرة وأوراق مربعة وأوعية بلاستيكية)، فضلاً عن هواتف خلوية عدة.
الأخطر في المضبوطات كان وجود مادة بيضاء بودرة مدوّن عليها “بيكربونات” بوزن 107 غرامات، إلى جانب آلات حديثة مخصصة لطحن المخدرات (آلة سوداء وآلتان فضيتان)، بما يثبت أن المنزل لم يكن مكان تخزين فحسب، بل ورشة تجهيز وتلاعب بالأوزان قبل الترويج.
واستُدرج الموقوف م. أ. إلى غرفة التحقيق، وتعذر إجراء فحص مجارٍ لعينة من أدراره لعدم توافر بدل الفحص بحوزته، ووقع على هذه الملاحظة. كما تُليت عليه حقوقه المنصوص عليها في المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فطلب الإدلاء بإفادته بحضور وكيله، وهو ما حصل.
وخلال إفادته، أقرّ الموقوف م. أ. أنه يتعاطى مواد عدة بينها حشيشة الكيف والمريوانا والحبوب، وأن السائل الأسود المضبوط هو زيت الحشيشة. واعترف أنه يعمل في مجال ترويج المخدرات لحسابه الخاص ولديه زبائن، وأنه يستحصل على المخدرات من تاجر ع. أ. عبر تواصل واتساب واتصالات عادية، وأنه كان يرسل رقمين لتحويل مبالغ مالية عبر تطبيقات مالية، ويستحصل على كميات محددة وبأسعار بالدولار، إما من البقاع أو عبر مروجين يجهل هويتهم داخل جبل لبنان، مستخدماً سيارته لجلب المخدرات.
وأقرّ أيضاً بأنه كان يتوجه إلى منزله لتقسيم المواد إن لم تكن مقسمة، وأن الكمية المضبوطة كانت معدّة للترويج. وفي ما خص مادة البيكربونات، أفاد صراحةً بأنه كان يضيف منها كمية إلى الكوكايين للتلاعب بالأوزان، قبل بيعها للزبائن، محدداً أسعار البيع وهوامش الربح.
أما بالنسبة للموقوفة ر. أ.، فأنكرت بدايةً أي علاقة لها بالمخدرات وأكدت أن نتيجة فحصها جاءت سلبية على جميع المواد المخدّرة، وطلبت الإدلاء بإفادتها بحضور وكيلها فحضر المحامي وأبرز المستندات اللازمة. إلا أن التحقيقات واجهتها بمحادثات وتسجيلات صوتية، وبوقائع تتعلق بتواصلها مع بعض المتعاطين لتنسيق مواعيد حضورهم إلى المنزل، وبإرسال مبالغ مالية مرتبطة بالحصول على المخدرات، وبإفادة الموقوف الذي أشار إلى مساعدتها له لمدة تقارب السنة ونصف، لتعود وتقر بأن دورها اقتصر على التنسيق وتحديد أوقات حضور الزبائن، نافيةً تقسيم المخدرات أو تسليمها.
وبنتيجة الاتصالات التي أجرتها الضابطة العدلية مع عدد من الأرقام الواردة في الإفادات، تبيّن أن بعض أصحابها أقرّوا بأنهم متعاطون وأنهم كانوا يستحصلون على المخدرات من الموقوف م. أ. داخل منزله، كما حضر عدد منهم إلى مكتب المكافحة وأُجريت لهم فحوص مخبرية جاءت بعض نتائجها إيجابية لناحية تعاطي الحشيشة والكوكايين، ووقعوا على محاضرهم إشعاراً بالواقع، فيما تعهّد بعضهم بالمثول أمام لجنة مكافحة الإدمان.
وبعد استكمال التحقيقات، ادّعى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامي صادر على الموقوفين بجرائم تعاطي وترويج والاتجار بالمخدرات، مع إبراز واقعة خلط المواد عبر البيكربونات للتلاعب بالأوزان، وأحال الموقوفين الأساسيين إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضية ندى الأسمر لاستكمال التحقيقات، فيما أُخلي سبيل عدد من المتعاطين بسندات إقامة، وأُحيل الموقوفون التجار إلى المرجع القضائي المختص وأُصدرت بحقهم مذكرات توقيف وفقاً للأصول
وما كُشف في الربوة ليس مجرد مضبوطات وأرقام وأوزان، بل نموذج خطير لورشة “تصنيع غشّ” داخل منزل سكني: طحن، خلط، توضيب، ثم بيع سمٍّ مغشوش على أنه مخدر صافٍ. وبين ادعاء سامي صادر وإحالة ندى الأسمر، يتقدّم الملف كاختبار واضح: لا تساهل مع من يحوّل الأحياء إلى سوق، والناس إلى ضحايا، والبيت إلى معمل للممنوعات.