يترقّب اللبنانيون، مع بدء التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من الخطة التي أعدّتها قيادة الجيش اللبناني لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، ردّ فعل حزب الله، في وقت كشف فيه رئيس الحكومة نواف سلام لصحيفة "الشرق الأوسط" أن هذه المرحلة تمتد بين ضفتي نهر الليطاني جنوبًا ونهر الأوّلي شمالًا.
ويتركّز النقاش على ما إذا كان الحزب سيُصرّ على تفسيره لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل باعتبار أن حصرية السلاح تبدأ وتنتهي جنوب الليطاني، ولا تشمل باقي المناطق وصولًا إلى الحدود الدولية مع سوريا، أم أنه سيعيد النظر في موقفه باعتبار أن تنفيذ الخطة يأتي في سياق بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، تطبيقًا للقرار الدولي 1701.
ويؤكد مصدر وزاري لـ"الشرق الأوسط" أن التفسير الأحادي الذي يتبناه الحزب يتعارض كليًا مع تأييده المعلن لتطبيق القرار 1701، موضحًا أن التزام لبنان بوقف الأعمال العدائية لا يقتصر على جنوب الليطاني، إذ ينص الاتفاق على أن يبدأ التنفيذ من هناك ليشمل لاحقًا الأراضي اللبنانية كافة. ويشير المصدر إلى أن الاتفاق أتى على ذكر القرار 1701 سبع مرات، مقرونًا بالقرارات السابقة لمجلس الأمن، ولا سيّما القرار 1559 المتعلق بنزع سلاح جميع الميليشيات، والقرار 1680 الذي ينص على ضبط الحدود اللبنانية – السورية وترسيمها برًا وبحرًا لمكافحة التهريب.
ويتساءل المصدر عن أسباب إصرار الحزب على هذا التفسير، رغم أن ممثليه الوزيرين علي حمية ومصطفى بيرم في حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي أيدوا الاتفاق ولم يسجلوا أي اعتراض عليه، في وقت نأى فيه ميقاتي بنفسه عن الدخول طرفًا في المفاوضات التي تولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بتفويض من الحزب.
ويذكّر المصدر بأن بري لم يتحرّك من تلقاء نفسه عندما توصّل إلى اتفاق لوقف النار بالتشاور مع الحزب، وبالتفاهم مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين، بهدف قطع الطريق على أي تراجع لاحق. ويكشف أن بري كلّف معاونه السياسي النائب علي حسن خليل التواصل مع مسؤول الارتباط في الحزب حسين خليل، ما أفضى إلى تأييد "الثنائي الشيعي" للاتفاق، الذي تبنّته لاحقًا الولايات المتحدة وفرنسا.
ويشير المصدر إلى أن الحزب كان أول من تسلّم نسخة من الاتفاق، بالتوازي مع رعايته الدولية، متوقفًا عند تصريح الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بأن حصرية السلاح تبدأ وتنتهي جنوب الليطاني. ويتساءل: كيف يوفّق الحزب بين مشاركته في حكومة سلام بوزيرين تبنّيا خطاب القسم الداعي إلى احتكار الدولة للسلاح، وإدراج ذلك في البيان الوزاري، وبين اتهام رئيس الحكومة بارتكاب "خطيئة" لمجرد موافقته على هذا المبدأ؟
ويرى المصدر أن قاسم يحاكي بيئته السياسية لإخراجها من حالة الإرباك، إلا أن تمسّكه باستراتيجية الصبر وشراء الوقت لن يقدّم أو يؤخّر، بل يرفع منسوب الضغط الإسرائيلي بالنار، في وقت يفتقد فيه الحزب إلى داعم فعلي باستثناء بري، الذي يصرّ على استيعابه واحتوائه للإمساك بيده ودفعه نحو التسوية لتحرير الجنوب.
ويؤكد أن الحزب، وإن طالب بعدم تسليم جنوب الليطاني للجيش من دون مقابل إسرائيلي مماثل، يلتقي مرحليًا في هذا المطلب مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والرئيس بري، إلا أن الخلاف يعود للظهور سريعًا عند تمسّكه بالاحتفاظ بسلاحه "ولو اطّبقت السماء على الأرض"، على حد تعبير قاسم.
ويضيف المصدر أن الرئيس عون يعتمد سياسة النفس الطويل في حواره مع الحزب، لكن إلى حدّ معيّن، في حال لم يُفضِ هذا الحوار إلى تقدّم ملموس يشي باستعداد الحزب لمراجعة حساباته والوقوف فعليًا، لا قولًا، خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي. ويشير إلى أن الحوار بين عون والحزب، ممثلًا برئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، لم ينقطع، وإن كان متقطّعًا، لكنه لم يسجّل اختراقًا إيجابيًا حتى الآن، وبقي محصورًا بتواصل المستشار الرئاسي العميد المتقاعد أندريه رحال مع رعد وفريقه.
ويعتبر المصدر أن قيادة الحزب توكل أمر التفاوض على سلاحها إلى إيران بدل الإقدام على خطوة شجاعة بوضعه بعهدة الدولة، بما يعزّز موقف لبنان في المفاوضات التي ترعاها لجنة "الميكانيزم"، مؤكدًا أن ذلك يفرض على الحزب مراعاة المزاج الشيعي المتعطّش لعودة النازحين إلى قراهم، بدل اعتماد سياسة الإنكار لحجم الخسائر التي تكبّدها سياسيًا وماديًا.
ويرى المصدر أن كشف سلام عن التحضير للمرحلة الثانية من الخطة قوبل برفض "صامت" من الحزب، بذريعة أنه يقدّم مواقف مجانية لواشنطن، إلا أن سلام، بحسب المصدر، لم يحدّد موعدًا لانطلاق هذه المرحلة، وربطها بتقييم مجلس الوزراء لإنجازات الجيش جنوب الليطاني، وبما ستقرره لجنة "الميكانيزم" في اجتماعها المرتقب في السابع من الشهر المقبل.
ويؤكد أن موقف سلام ينسجم بالكامل مع الخطة التي أعدّتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة، والقائمة على تطبيق حصرية السلاح على مراحل، من دون الخروج عن البيان الوزاري. ويشير إلى أن الرؤساء متمسّكون بإلزام إسرائيل بخطوة مماثلة لانتشار الجيش جنوب الليطاني، ما يضع الإدارة الأميركية أمام تعهّدها بتلازم الخطوات.
ويشدّد المصدر على أن سلام اختار التوقيت المناسب لإيصال رسالة الحكومة إلى المعنيين دوليًا وإقليميًا، مفادها أن لبنان ملتزم بحصرية السلاح ولا تراجع عنها، داعيًا الحزب إلى إعادة النظر في سلوكه لإسقاط الذرائع الإسرائيلية. ويرى أن هذا التوقيت يواكب استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 من الشهر الجاري، على أمل أن يمارس ضغطًا يحدّ من تهديدات توسيع الحرب.
كما يندرج توقيت سلام، بحسب المصدر، في سياق توجيه رسالة إلى الدول المشاركة في الاجتماع التحضيري لدعم الجيش الذي استضافته باريس، تأكيدًا على التزام الحكومة بحصرية السلاح، بما يتيح تحديد مكان وزمان انعقاد مؤتمر الدعم المرتقب في شباط المقبل، مع تحميل الحزب مسؤوليته في تسهيل التنفيذ، وعدم الاكتفاء بتسجيل مواقف سياسية لامتصاص غضب بيئته.
ويختم المصدر بالتساؤل: إذا كان الحزب يطمئن المستوطنات في شمال فلسطين بعدم وجود خطر عليها، فلماذا لا تنسحب هذه الطمأنة على اللبنانيين، الذين هم بأمسّ الحاجة إلى عودة الاستقرار إلى بلدهم من بوابة الجنوب؟