ليبانون ديبايت - فادي عيد
ما ينطبق على مشهد جلسة إقرار مشروع قانون "الفجوة المالية" في مجلس الوزراء، من حيث الإنقسام داخل المكوّن السياسي الواحد، يُبرز تعقيدات بنوده وصعوبة ترجمة وعوده بإنصاف المودع.
ويبدو جلياً أن السجال لن يتوقف بعد إقرار مشروع قانون "الفجوة المالية"، الذي اعترض عليه 9 وزراء وصوّتت "القوات اللبنانية" ضد إقراره إنطلاقاً من مقاربة علمية دقيقة مدعّمة بالأرقام ومعزّزة بالوقائع.
ففي القادم من الأيام، ستتراكم المقاربات التقنية والمالية، وتتزاحم الأرقام والتصنيفات والإشتراطات الخارجية، من صندوق النقد إلى اللوائح الرمادية والسوداء.
لكن، بمعزل عن كل ذلك، وبعيداً من تفاصيل لا تعني المواطن المُنهَك بقدر ما تعنيه استعادته لأمواله المنهوبة، تحصر مصادر نيابية سيادية، جوهر الأزمة اللبنانية بالثقة المفقودة بين المواطن والدولة، وتوصّف المشكلة الأساسية في لبنان بأنها لم تكن يوماً تقنية بحتة إنما هي سياسية بامتياز. وتذهب المصادر النيابية إلى الحديث عن أزمة ثقة بين المواطن اللبناني والدولة بمؤسّساتها كافة، أو حتى بقطاعها المصرفي الذي كان يُفترض أن يكون ركيزة الإستقرار والخلاص.
وعلى حدّ قول المصادر السيادية، فإن هذه الثقة لم تتزعزع صدفة، بل تآكلت تدريجياً حتى انهارت بالكامل، لأن الدولة لم تعطِ يوماً إشارة فعلية بأنها استعادت عافيتها، أو فرضت سلطتها، أو أدّت دورها الطبيعي كدولة.
من هنا، وبمعرض الإجابة على الأسئلة الشائكة التي يطرحها المواطن وليس فقط المودِع، تؤكد المصادر ذاتها، أن مشروع "الفجوة" أو أي مشروع مالي، يبقى قاصراً إذا لم ينطلق من استعادة ثقة المواطن بدولته، لأن الثقة هي مفتاح الإقتصاد وهي شرط الإستثمار، والمدخل الوحيد لعودة أموال المودعين، وليست النصوص القانونية المجتزأة ولا الحلول الترقيعية التي تحمّل الضحية كلفة الجريمة، ذلك أنه لا يُمكن إقناع المودِع الذي نُهبت أمواله، وهي حصيلة عمله وتعبه على مدى سنوات، بأن الحل يبدأ من اقتطاع حقوقهم أو تحميلهم نتائج فساد لم يكونوا شركاء فيه.
وبحسب المصادر نفسها، فإن استعادة الثقة لا تبدأ من المصارف، ولا من القوانين، ولا حتى من الوعود، بل تبدأ عندما تصبح الدولة دولة فعلية، تبسط سلطتها على كامل أراضيها، وتحتكر قرارها السيادي والأمني والمالي، لكي يشعر المواطن أن هناك مرجعية تحميه، وأن أمواله ليست متروكة لمزاج منظومة أو لتحالف مصالح، فلبنان لم يصل إلى الإنهيار المالي بالصدفة، بل ترجعه المصادر عينها، إلى مسار واضح قوامه هيمنة "حزب الله" على القرار السياسي، وتغطيته لتحالف مافيوي تحكّم بالدولة وبمقدّراتها، وهذا التحالف بين السلاح والفساد المنظّم هو الذي دمّر المؤسّسات، وأفقد الدولة صدقيتها، وأوصل الإقتصاد إلى الهاوية.
وبالتالي، تقول المصادر النيابية السيادية، فإن أي حديث عن معالجة مالية من دون معالجة هذا الخلل البنيوي يبقى دوراناً في حلقة مفرغة، والإنهيار الذي نعيشه هو "انهيار سياسي قبل أن يكون مالياً"، ولذلك، فإن الخروج من الأزمة المالية لن يتحقّق إلاّ عبر الخروج من الإنهيار السياسي، أي عبر استعادة الدولة لقرارها، وإنهاء ملف السلاح، وفكّ الإرتباط بين القوة غير الشرعية والمافيا، وعندها فقط يمكن الحديث عن استرجاع الثقة من الداخل قبل الخارج، وعن الإصلاح، وعن الأمل الحقيقي باستعادة أموال المودعين وليس اقتطاعها وتكبيدهم المزيد من الخسائر وبناء اقتصاد سليم ومستدام.