في خطوة تتجاوز بعدها الدبلوماسي الظاهر، أعلنت إسرائيل اعترافها الرسمي بجمهورية صوماليلاند، في ما وصفه مراقبون بأنه تحرك استراتيجي منسّق مع الولايات المتحدة، يندرج ضمن إعادة رسم ملامح النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، ويستهدف بصورة مباشرة تقليص النفوذ التركي، وضبط طرق الملاحة في البحر الأحمر، وتهيئة الأرضية لمرحلة “اليوم التالي” في غزة.
التحليل نُشر بقلم العقيد الاحتياطي عمِيت ياغور على موقع “معاريف أونلاين” بتاريخ 27 كانون الأول 2025، حيث اعتبر أن هذا الاعتراف لا يمكن التعامل معه كخطوة رمزية أو هامشية، بل هو جزء من مسار سياسي–أمني أوسع تقوده إسرائيل بالتوازي مع الولايات المتحدة، في سياق إخراج “الكستناء من النار” لصالح واشنطن، وإعادة هندسة الشرق الأوسط.
ويشير الكاتب إلى أن توقيت الخطوة يأتي قبيل لقاء مرتقب بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في وقت تتبلور فيه مجددًا أفكار طُرحت مطلع العام، وقوبلت حينها بتشكيك واسع، لكنها اليوم تعود إلى الواجهة بصيغة أكثر عملية. تلك الأفكار، بحسب ياغور، تقوم على إعادة بناء شبكة العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط على أساس الطاقة والتجارة، وتشكيل تحالفات جديدة، أبرزها محور IMEC، إضافة إلى مشاريع قواعد عسكرية أميركية، بعضها طُرح حتى في قطاع غزة، إلى جانب تصورات مثيرة للجدل حول “الهجرة الطوعية” لسكان من القطاع، ولو بشكل مؤقت.
ويرى الكاتب أن جزءًا أساسيًا من هذه الاستراتيجية يهدف إلى منع قوى منافسة، مثل روسيا والصين، وكذلك محور “الإخوان المسلمين” بقيادة تركيا وقطر، من ترسيخ موطئ قدم مؤثر في المنطقة. وفي هذا الإطار، يشير إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة عملتا خلال الأشهر الستة الماضية بشكل منسّق لترجمة هذه الخطط إلى وقائع، بحيث تولّت إسرائيل تنفيذ جزء كبير من المهام الميدانية والسياسية، بدعم وضغط دبلوماسي أميركي، وربما بضمانات غير معلنة قُدّمت لدول معنية.
ويعدد ياغور سلسلة خطوات مترابطة يرى أنها تشكّل حلقات في هذا المسار، من بينها إدخال أذربيجان إلى اتفاقات أبراهام، بما أغلق الطريق أمام محاولة صينية–تركية لبناء محور شمالي منافس لـIMEC، وتوقيع اتفاق تعاون في مجال الغاز بين إسرائيل وقبرص، ما يفتح الباب أمام تصدير الغاز الإسرائيلي إلى دولة أوروبية. كما يشير إلى إنشاء تحالف إقليمي في القدس بين إسرائيل واليونان وقبرص، لا يقتصر دوره على موازنة النفوذ التركي، بل يؤسس للجناح الغربي من محور IMEC، ويعزز موقع إسرائيل كبوابة للطاقة والتجارة بين الشرق وأوروبا. وفي السياق نفسه، يلفت إلى تقارير عن قمة مرتقبة إسرائيلية–هندية، قد تشهد إطلاق الجناح الشرقي لما يُعرف بـ“طريق الحرير الجديد”.
ضمن هذا السياق، يضع الكاتب الاعتراف الإسرائيلي بصوماليلاند، الجمهورية الواقعة في القرن الإفريقي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر مقابل اليمن، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 3.5 ملايين نسمة، وتمتد على مساحة تقارب 140 ألف كيلومتر مربع. ورغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بها، يلفت ياغور إلى أن صوماليلاند تعمل كدولة مستقلة فعليًا منذ نحو ثلاثة عقود، مع مؤسسات كاملة تشمل جيشًا وشرطة وبرلمانًا ومحاكم ونظام ضرائب وعملة وجوازات سفر، وتتميّز باستقرار نسبي مقارنة بمحيطها.
ويشرح أن ما تسعى إليه صوماليلاند بالدرجة الأولى هو الحصول على اعتراف دولي رسمي، وهو ما منحته إسرائيل الآن، في خطوة يُفهم منها أنها تمهّد لاعتراف أميركي لاحق. ووفق الكاتب، فإن هذا التطور يشكّل ضربة مباشرة لتركيا، التي تعزز حضورها العسكري والمدني في الصومال المجاورة، بما في ذلك مشاريع موانئ، ويمنح إسرائيل موطئ قدم استراتيجي في منطقة شديدة الحساسية، سواء في مواجهة النفوذ التركي أو في مراقبة تحركات الحوثيين في اليمن.
ولا يستبعد ياغور أن يفتح هذا الاعتراف بابًا أمام ترتيبات إقليمية أوسع، قد تشمل استعداد صوماليلاند لاستقبال سكان من قطاع غزة في إطار “هجرة طوعية” ومؤقتة، وهو طرح سبق أن أبدت الدولة الناشئة انفتاحًا حياله مقابل اعتراف دولي بها، معتبرًا أن مثل هذا الخيار قد يُستخدم لبناء واقع جديد في غزة.
ويأكد العقيد الاحتياطي عمِيت ياغور، الذي شغل سابقًا مناصب رفيعة في شعبة التخطيط الاستراتيجي والاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل تتجه إلى اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو وهي تحمل “سلة ممتلئة” من الأوراق الاستراتيجية لصالح واشنطن، في لحظة مفصلية قد تعيد رسم توازنات الإقليم، وتُلحق ضربة مباشرة بطموحات أنقرة الإقليمية، وعلى رأسها مشروع “الإمبراطورية العثمانية الجديدة”.