تتسارع النقاشات داخل الدوائر الأميركية حول مستقبل الحكم في قطاع غزة بعد الحرب، في ظل تقاطع ثلاث رؤى متنافسة تتراوح بين الخيار العسكري، والإدارة الدولية، ونماذج إعادة الإعمار، وسط ضغوط متزايدة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحسم قراره في المرحلة المقبلة.
ويرى المحلل الأميركي توماس واريك أن خطة ترامب للسلام في غزة، والتي يعوّل عليها لتحقيق اختراق سياسي كبير، تحتاج إلى "دفعة قوية" خلال لقائه المرتقب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 كانون الأول الجاري.
وقال واريك إنه تولّى سابقاً قيادة التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في العراق في وزارة الخارجية الأميركية، وشارك في إدارة عمليات ما بعد النزاعات في البوسنة وكوسوفو والعراق وتيمور الشرقية وليبيا وأفغانستان. وأضاف أنه، عقب هجوم حماس في 7 تشرين الأول 2023، حذّر مع مسؤولين سابقين من مخاطر غياب التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، وشارك في إعداد خطة متكاملة لتلك المرحلة.
وأوضح أن هذه الخطة كانت الأقرب إلى تصور ترامب النهائي، وتضمنت حكماً دولياً انتقالياً، وهيئة إشراف دولية تعمل مع الفلسطينيين في غزة، ومدعومة بقوة استقرار دولية بتفويض من مجلس الأمن، على أن يقود الجهد المدني مسؤول غير أميركي، فيما يرأس قوة الاستقرار جنرال أميركي.
وأشار واريك إلى أن ترامب بات أمام ثلاثة خيارات رئيسية. الأول، وهو الأكثر ترجيحاً من وجهة نظر نتنياهو، يتمثل في الحصول على دعم أميركي لعمل عسكري إسرائيلي إضافي ضد حماس، انطلاقاً من قناعة بأن إضعاف الحركة سيمنعها من عرقلة أي خطة سلام مستقبلية.
أما الخيار الثاني، فيقوم على الخطة التي أعدّها معهد توني بلير، والتي سُرّبت مسودتها ونشرتها صحيفة "هآرتس" في أيلول الماضي، وتقضي بإنشاء أمانة تنفيذية دولية صغيرة من خمسة مفوضين تشرف على سلطة تنفيذية فلسطينية تدير غزة عملياً.
ورأى واريك أن هذه الخطة تعاني من ثغرات، أبرزها غياب آلية واضحة لنزع سلاح حماس ومنعها من ابتزاز السكان أو التأثير على السلطة التنفيذية الفلسطينية، إضافة إلى أن الجدول الزمني لنشر القوات الدولية يبدو متأخراً، إذ تبدأ العمليات الكاملة في العام الثالث فقط، فضلاً عن محدودية الميزانية التي لا تتجاوز 90 مليون دولار في السنة الأولى.
أما الرؤية الثالثة، فتقوم على ما يُعرف بـ"نظام الإمدادات لغزة"، والذي يعتمد على رؤوس أموال خاصة لتسريع إعادة الإعمار المادي والاجتماعي شرق "الخط الأصفر"، مع الاستعانة بشركات أمن خاصة لتولي مهام ترفض قوة الاستقرار الدولية القيام بها.
لكن واريك أشار إلى أن هذا الخيار يواجه عقبتين أساسيتين: عدم التزام أي حكومة عربية حتى الآن بتمويل إعادة إعمار غزة بمليارات الدولارات، وتردد الدول في نشر قواتها لمواجهة حماس، في وقت تعتمد فيه الخطة على مقاولين أمنيين خاصين.
وخلص المحلل الأميركي إلى أن ترامب سيُضطر قريباً إلى اختيار أحد هذه المسارات الثلاثة، محذّراً من أن انتظار نزع سلاح حماس طوعاً سيؤدي إلى إطالة معاناة نحو مليوني فلسطيني في غزة، وزيادة المخاطر الأمنية على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
وختم بالقول إن على ترامب الموافقة سريعاً على خطة تطلق عملية إعادة الإعمار المادي والاجتماعي في غزة، معتبراً أن نموذج "نظام الإمدادات لغزة"، رغم القيود المحيطة به، يبقى الخيار الأكثر قابلية للتطبيق في المرحلة الراهنة للبدء بتحقيق حد أدنى من الأمن وإعادة الإعمار في جزء من القطاع.