وفي هذا السياق، يقدّم الباحث في مركز الحوار للأبحاث والدراسات في واشنطن، عمار جلو قراءة تحليلية لأحداث الساحل، واضعًا إياها في إطارها السياسي والاجتماعي والأمني الأوسع.
وفي حديث إلى "ليبانون ديبايت"، يرى جلو أنّ موضوع الساحل، أو بالأدق السوريين العلويين، هو موضوع مركّب ومتشعّب. ويؤكد بدايةً أنّ العلويين، بمعظمهم، كانوا فئة عانت من نظام الأسد، شأنهم شأن باقي مكوّنات الشعب السوري، باستثناء من كانوا أدوات مباشرة في آلة البطش والإجرام.
ويشير إلى أنّ ما تلا سقوط نظام الأسد شمل قرارات أو توجّهات يمكن اعتبارها منطقية أو موضوعية، مثل فصل عشرات آلاف الموظفين الوهميين، واعتقال جنود، أو ملاحقة واعتقال رموز من النظام البائد المتورطين في الدم السوري. كما حصلت عمليات خطف وقتل، وهو أمر شائع تاريخيًا بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية، ولا يقتصر على منطقة الساحل، بل شهدته مناطق سورية عديدة بدوافع سياسية أو ثورية أو حتى اقتصادية واجتماعية. إلا أنّ هذه الوقائع، وفق جلو، جرت قراءتها غالبًا من زاوية طائفية، وهو توصيف قد يكون صحيحًا في بعض الحالات وخاطئًا في حالات أخرى.
ومع ذلك، يلفت جلو إلى أنّ الإدارة السورية الجديدة كان يفترض بها أن تكون أكثر وضوحًا وشفافية في تعاملها مع جميع السوريين، ولا سيما مع المكوّنات التي تحمل هواجس تجاه النظام الجديد، سواء بسبب جذور أيديولوجية لدى السلطة أو خشية تحميلها مسؤولية جماعية عن حقبة النظام السابق. ويضيف أنّ ملف العدالة الانتقالية كان يجب أن يُؤطَّر ويُفعَّل بشكل جدي، باعتباره المدخل الأساسي لبناء دولة العدالة والمواطنة، معتبرًا أنّ الحكومة السورية الجديدة قصّرت في هذا الملف.
ويشرح جلو أنّ تداخل هذه العوامل، إلى جانب محاولات فلول النظام السابق إحداث بلبلة أمنية بهدف التهرّب من المحاسبة أو السعي إلى تأسيس حكم محلي، أدّى إلى ردّ فعل حكومي وفصائلي وشعبي غير مدروس، أودى بحياة مئات المدنيين خلال أحداث الساحل في آذار الماضي. وقد أسهم ذلك، بحسبه، في تعميق هواجس العلويين وتعقيد العلاقة بينهم وبين حكومة دمشق، قبل أن تأتي أحداث السويداء في تموز الماضي لتضاعف هذه التعقيدات، لا سيما في ظلّ استثمار إسرائيل وقوات سوريا الديمقراطية لهذه الساحات، كلٌّ وفق مصالحه الخاصة.
وفي ما يتعلّق بمسألة “التضييق”، يعتبر جلو أنّ هذا الوصف قد يكون صحيحًا جزئيًا لكنه غير دقيق بالكامل. فالسوريون، برأيه، يعيشون مرحلة بناء دولة تقودها فواعل لا تمتلك خبرة كافية بآليات ومقتضيات بناء الدول، رغم تجاربها المحدودة في الحكم المحلي. وتتفاقم هذه الإشكالية بفعل انعدام الثقة بمنظومات وشخصيات دولة الأسد، إضافة إلى تشكّل الحكومة من ائتلاف فصائلي يضم مجموعات ذات توجّهات متشددة تجاه بعض العرقيات والأديان والمذاهب.
ويؤكد أنّ هذا الواقع يفرض على السلطة الجديدة الحفاظ على توازنات مرحلية داخل الحكم، ويحتاج إلى وقت أطول لاستعادة الثقة المفقودة مع مكوّنات وشخصيات الدولة السابقة. وفي هذا السياق، قد يظهر – سواء كان توصيفه دقيقًا أم لا – نوع من التهميش أو التضييق على بعض المكوّنات، بسبب الصلة الظاهرية أو المفترضة بالنظام السابق.
ورغم كل ما يجري، يشدّد جلو على أنّ الأحداث لا تعكس توجّهًا جديًا نحو تقسيم سوريا، معتبرًا أنّ ما يحصل هو نتاج طبيعي لتراكمات عقود من العقد السياسية والاجتماعية. ويرى أنّ تقسيم سوريا بعيد جدًا عن الواقعية السياسية إقليميًا ودوليًا.
ويختم جلو بالتأكيد على أنّ الطرف الوحيد الذي يسعى فعليًا إلى تقسيم سوريا هو إسرائيل، لافتًا إلى محاولاتها بناء علاقات مصلحية مع كلّ من قوات سوريا الديمقراطية، وتيار الشيخ حكمت الهجري، والشيخ غزال غزال. ويرى أنّ هذه العلاقات تُفقد الكرد والدروز والعلويين أي تعاطف سوري وطني جامع، نتيجة ارتباط بعض الجهات التي تدّعي تمثيلهم بإسرائيل، ومقايضتها مستقبل سوريا ومكوّناتها بمصالح فئوية ضيّقة.