هذا الصمت لم يكن بريئًا. فعندما تُستهدف دولة بحجم المملكة، بما تمثّله من ثقل عربي وإقليمي، وبما قدّمته تاريخيًا للبنان دولةً وشعبًا، يصبح السكوت موقفًا بحدّ ذاته. ومن يصمت عن الحق في لحظة كهذه، لا يمكن توصيفه إلا بما هو عليه: شياطين خرس، فضّلوا السلامة السياسية على الحقيقة، والمصالح الضيّقة على الانتماء العربي.
المملكة العربية السعودية لم تكن يومًا طرفًا في أزمات لبنان الداخلية، ولا لاعبًا في انقساماته، بل شكّلت على الدوام مظلة دعم للدولة ومؤسساتها. من اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وأعاد الاعتبار لمنطق الدولة، إلى الدعم السياسي والاقتصادي المستمر، وقفت الرياض إلى جانب لبنان عندما تخلّى عنه كثيرون، ولم تطلب في المقابل سوى استقراره وخروجه من دوّامة الفوضى.
ورغم ذلك، آثر سياسيون لبنانيون الصمت، لا دفاعًا عن مبدأ، بل هروبًا من كلفة الموقف. صمتوا لأن قول الحق قد يزعج هذا المحور أو ذاك، وقد يقطع خيط تسوية هنا أو مصلحة هناك. لكنهم تناسوا أن الدول لا تُدار بمنطق الخوف، ولا تُبنى بالصمت، وأن الكلفة الحقيقية ليست في قول الحقيقة، بل في التواطؤ على إخفائها.
في السياق اللبناني، لا يمكن فصل هذا الصمت عن أزمة أعمق: أزمة نخبة سياسية فقدت البوصلة، وتعاملت مع القضايا العربية الكبرى وكأنها ملفات هامشية، فيما هي في الواقع تمسّ جوهر موقع لبنان وهويته ودوره. فلبنان الذي صمت سياسيّوه عن حق السعودية، هو نفسه لبنان الذي يدفع اليوم ثمن الارتهان والتردّد والانقسام.
قول كلمة الحق اليوم ليس ترفًا ولا خيارًا، بل واجب وطني وأخلاقي. والسكوت عن الحق، تحت أي ذريعة، هو مشاركة مباشرة في الانهيار. فعندما تختار النخب السياسية أن تكون خرساء أمام الحقيقة، فإنها تترك الساحة لمنطق الفوضى، وتدفع بالبلد أكثر نحو العزلة والخسارة.
في زمن المواقف الرمادية، تبقى المملكة العربية السعودية ثابتة في موقعها، واضحة في خياراتها، وصريحة في دفاعها عن منطق الدولة والاستقرار. أما في لبنان، فالسؤال الذي لا مفرّ منه يبقى: متى يخرج السياسيون من صمتهم، ويكفّون عن لعب دور شياطين الخرس، ويقرّرون أخيرًا أن يكونوا على مستوى الحقيقة، لا على هامشها؟