Beirut
16°
|
Homepage
هل تنفجرّ القلوب المليانة في 15 نيسان؟
عبدالله قمح | المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 04 نيسان 2018 - 1:00

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لم يَعد الحديث عن المذهبيّة يقتصر على العناوين الكبرى كالسياسة والتعيينات وجنّة المحسوبيّات، فلقد تخطّت المذهبيّة هذه الحدود وأمعَنت في النفوس حدّاً تجاوز مستويات "القرف" بأشواط.

باتت المذهبيّة "تُعَشعِش" في كلِ مكان وتنمو كالطُّفيليات التي تقتات على أوساخ الآخرين، فأصبحت تتلطّى وتتخفّى أو تتمظهر في كلّ شيء تقريباً، مذهبيّة في العلاقات الاجتماعيّة، مذهبيّة في الشركات وفي الوظائف الخاصّة، مذهبيّة في المشروع والشارع والبناية والزاروب والدكّانة ومحلّ الخُضار، مذهبيّة في الأحزاب السياسيّة والحياة العامّة، مذهبيّة داخل المذهب نفسه، مذهبيّة في كرة القدم.. نعم كرة القدم!


المذهبيّة في المقام أعلاه لا يُقصد منها تلك المتقوّقِعة في الإنتماء الديني أو الطائفي، بل مذهبيّة تطرّف الفرد بإتجاه فريق ما، أو تيّار ما، أو حزب ما، أو نادٍ ما، عندها تقفِز المذهبيّة فوق الفكرة الدينيّة الشائعة.

وفي زمن الإنتخابات والأحاديث حول إرتفاع منسوب المذهبيّة والطائفيّة والعشائريّة والحزبيّة السياسيّة، والحديث المصحوب عن إندثار المحادل أو تموضعها في أشكالٍ جديدة، تتسرّب أساطيل من نوعٍ آخر وتجتاح عالم كرة القدم المحليّة لتَجد لها موطئ على المدرّجات التي إستعادة عافيتها بعد غياب دام سنوات بفعل النزاعات السياسيّة.

حين حضرت ثقافة الـ"التراس" (كلمة لاتينيّة تعني المتطرّفين، وتظهر بصورة مجموعات مشجعي الفرق الرياضيّة المعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها) إلى لبنان ودخلت ملاعب كرة القدم هذا الموسم لتتمظهر على مدرجات خاصّة بالفرق الكبيرة، سادت مخاوف في أن تتقمّص هذه الظاهرة إسلوب الإستخدام "الدارج" في أوروبا، إذ تُعتبر هذه التجمّعات مصدر المشاكل الدائم خاصّةً مع الشرطة المحليّة وأفراد الجمهور الخصم، إذ تُقيم هذه التجمّعات لنفسها عقائد خاصّة تستمِد منها عصابيّتها، ودائماً ما تقوم على فكرة إيجاد الخصم وشيطنته!

كان الخوف أكبر على جماهير الكُرة المحليّة في إحتمال أن تُصبغ بهذا الداء سيما وأنها لم تُثبت –بمجموعها- أنّ لديها مناعةً كفيةً، والخوف كان في إزدياد عدوى المذهبيّة أو نقلها أجواء البلد المتشنّجة دوماً إلى الملاعب، أو أن تتمظهر بشكلٍ متطرّف بوجه أي فريق منافس، فتَخرج الأمور عن السيطرة.

ظهرت هذه الخاصيّة بشكلٍ محدود في مباراة فريق النجمة مع غريمه التقليدي الأنصار على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضيّة (إنتهت 0– 0) وبشكل أقلّ على المدرّج المقابل، لكنها لم تتعدّى المحاذير، ومع إنحصار المنافسة بين فريقي العهد والنجمة تبين أن مصدر الخطر ليس الـ"التراس" كما يُشاع بل يكمن في منصّات مواقع التواصل الاجتماعي.

ظهر سريعاً أن هناكَ محادل تنشط على هذه المواقع، تتكوّن من أشخاص يناصرون هذا الفريق أو ذاك، أشدّ اشكالها تلك التي تتكاثر في رحاب جمهوري النجمة وغريمه الحديث العهد النشطة في مجال تقديم خدمات الشحن الدائم.

يمعن محرّكو الجمهورين في كيل أنماط التحدّي التي تخرج في أحيان كثيرة عن المألوف وقاعدة التنافس، لتبلغ مستوى "الإيذاء المعنوي" الذي يُلامس في غالبية الأحيان الخطوط الحمرّ، فلا يعود هناك سقف واضح لهذه العبارات، وليس من مدير يضبطها أو رادع ينقلها إلى الواقع الفعلي، فتتشظّى وتتلاطم عند غرائز "الغيارة" من الجمهورين ما يلبث أن تفسّر بأشكالٍ عنيفة تفجّر العصبيات الدَفينة.

ولعل أشد ما يطرأ على مشهد هذه المحادل أنها تقتات وتحيا على موائد سياسيّة، وفي أحيان كثيرة تنمو على التباينات داخل المذاهب الواحد، كحال جمهوري العهد والنجمة مثلاً اللذان يتقاتلان داخل المذهب الشيعي على حصريّة التشجيع وهويّته ولصالح أي نادٍ يذهب!

يُتّهم جمهور نادي العهد بأن له اليد الطولى في إنتاج هذه الصَنعة وترويجها لكونه صَبَغَ نفسه منذ نعومة أظافره باللون الأصفر موحياً أنه يتبع لحزب الله أو يلتصق به.

وكنتيجة للشعور بالذات، عملت جماهيره عبر المنصّات الإلكترونيّة على نزع صفة "المقاومة" عن جمهور النجمة. حجّتها في ذلك أن الأخير يدعم فريقاً محسوباً على تيّار المستقبل –الخصم-، علماً أن أكثر من نصف جمهور النادي النبيذي يحسب على أبناء المناطق الشيعيّة أكثر من تلك السُنيّة!

أما الجمهور النجماوي فالاتهامات نحوه أقل وطأةً، ولعل أكبر إتهام يوجّه إليه أنه "مشاغب" وصاحب "خلق ضيّق" ولا يقبل التنافس في بيئته لصالح جهةٍ ثانية.

مراقبون يضعون اللائمة على جمهور العهد في إدخال السياسة إلى ملاعب كرة القدم في الزمن الحديث، إذ يُغالي أفراده بالإنتماء الشيعي بغية إستثماره في جذب الأعداد من غريمه النبيذي.

وما يزيد من مصداقيّة هذا الاتهام، قيام نشطاء بلصق أمور مرتبطة بحزب الله في النادي بشكلٍ فاقع واستخدام لغة تعصّبيّة تحاكي غرائز الجماهير، لا تفسّر إلّا من خانة الاستفادة السياسيّة، علماً أن سلبيات هذا التموضع ليس لحزب الله علاقة بها ولا تخدمه بقدر ما تضره.

وفي وقتٍ ترتفع نسب الحماوة على أرضيّة الملعب، تجاوزت درجاتها المستويات المعقولة بين الجمهورين في هذا الموسم بالذات حتّى باتَ مبالغاً فيها وتنذر بالشؤوم في حال بقية على نفس الوتيرة من التصعيد والتجريح والتهديد والوعيد.

نستذكر الشؤوم لأن المباراة الاخيرة في الدوري والتي ستجمع الفريقين في 15 نيسان الجاري، تجري في جوٍ مشدود، ميدانياً وجماهرياً، إذ أن نادي العهد حسم احتفاظه باللقب للموسم الثاني على التوالي، وهذا ما ولّد غضباً لدى الجمهور النجماوي الذي يلعب فريقه لحفظ ماء الوجه، وما يغذي من إشتدادها، بلوغ التنافس مستويات أبعد ما تكون عن الرياضة.

واستغلالاً لهذه الحالة، يسوّق محركي جمهور النادي النبيذي أنصارهم عبر مواقع التواصل لتكون المباراة "ثأريّة بإمتياز" أمّا الجمهور المقابل فيرفع من قيمة التحدي إلى حدود تلامس التبارز على الأعداد في أرضيّة الملعب بغية إيصال رسالة لغريمهم مفادها أنهم "رقم صعب وليسوا لقمة سائغة".

إنعكاس هذا التوتّر على منصّات موقع التواصل إنفجرَ على الأرض، إذ تعرّض ليل أول من أمس (الاثنين) نجم فريق العهد اللاعب أحمد زريق، لإعتداء "محدود" من قبل أفراد يحسَبون على جمهور النجمة، ولولا تتدخّل العقلاء لكان حصل ما هو أسوأ.

هذه الحادثة تعطي صورة عن الافرازات الحاصلة نتيجة الحقن وبثّ الأحقاد والنفخ ببوق الفتنة من كلا الجانبين، فمن يضمن عندَئذٍ أن تمرّ المباراة بسلام وأن لا تتكرّر مشهديّة الاعتداء على زريق لكن على نطاقٍ أوسع؟ أو من يضمن ان تسلم المدرّجات من شرور هذا الذم أو أن لا نكون أمام مواجهة من نوع آخر؟
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
إلى القوات وحلفائها… حان وقت الإستقالة 9 الرواية الحقيقية لـ "إنفجار دورس"! 5 "الإتفاق حصل"... بو صعب سيبلغ بري بهذا الأمر! 1
مع ارتفاع درجة الحرارة... نمر يوضح امكانية "حدوث هزّات أرضية"! 10 نائب يودّع العزوبية بعد أسابيع! 6 صوت قوي "يوقظ" سكان الجديدة... ماذا حصل عند "ABDO"؟! (فيديو) 2
بعد إنتحار شاب... نائب يُثير موضوع ألعاب الميسر 11 "بسحر ساحر تتصل غادة عون"... اليسا تستنكر: "هيدي بأي بلد بتصير"! 7 "المخابرات السورية تتواقح في لبنان"... إيلي محفوض يكشف عن مؤامرة خبيثة تُحضر! 3
"نساء المخابرات" الى الواجهة بين ايران واسرائيل: خداع جنسي وفتاوى تبيح "تسليم الجسد"! 12 200 ألف مقاتل سوري يهددون لبنان.. ناجي حايك يتحدث عن "أمر كبير" طُلِب من الحزب! 8 عملية للحزب في عمق اسرائيل... صقور متفجرة تدك القاعدة العسكرية الأكبر! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر