Beirut
16°
|
Homepage
يوميّات من حرب المئة يوم
ملكار الخوري | الخميس 20 آب 2020 - 13:05

"لَ وَيْن؟" سألت إمّ وَديع (سِتّي مريم).

"إلو من مبارح عَشِيّي لْ إرسال عاطل، بدّي إسمَع برنامج موريس." ردَّت نجاة.

"خَلّيكي عَ باب لْ مطبخ، ما تضهري عَ الجْنَيني".


كان قد مضى أكثر من أسبوعين على آخر حديث هاتفي بينهما، وكان برنامجه على إزاعة صوت لبنان دليلها الوحيد على أنه ما زال على قيد الحياة.

"بِمْشي مطرح لّي مش رح تُوئَع لْ ئِنبلي" قال لها ممازحاً عندما طلبت منه توخي الحَذَر.

حَاوَلَت الإتصال به مراراً على رقم البيت (04413989 )، لكن دون جدوى.

"معئول يكون يا عند أنطوان بالجْدَيْدي، أو بل أَشْرَفيّي عند راهبات السيوفي (القلبين الأقدسين)." قالت لنفسها.

كانت تعلم أنّه يغيب عن البيت لأيام متتالية، لاسيّما عند إشتداد المعارك، ليبقى على مقربة من إذاعة صوت لبنان، التي كانت وقتذاك في المبنى المجاور لبيت الكتائب الذي سيستشهد فيه بشير الجميّل وعدد من الكتائبيين بعد 4 سنوات.

غاب مرّةً عن البيت لمدة عشرة أيّام، ونسي الباب مفتوحاً.

"وَلَو كَ زلمي، هيك بِتْفِلّْ عشرتِيّام وبتترك باب لْ بيت مفتوح؟ بلكي فَتلو شي حرامي!" قال له جاره جوزيف أبو كَرَم .

" بل بيت ما فِش غير كِتُب. لْ حْراميّي ما بْيئْرو، ولّي بْيئْرو ما بْيسرئو" أجاب موريس بِمَلعَنته المعتادة.

"ئول هَيك معك حَئْ" أردَف جوزيف. فضحك موريس، وضحك جوزيف.

"موريس ضحِك، وأنا ضحِكت، وعَ شوي، لَو لْ حرامي موجود معنا كمان كان ضحك." (قال جوزيف متبسِّماً عندما قَصَّ عَليَّ هذه السالفة).

ما إن سِمِعَت نجاة صوت موريس عبر "الترانزيستر" حتى تنفّست الصعداء؛

إنه على قيد الحياة.

لم يقطع صَوتَه وسكون الليل سوى الرشقات والقذائف البعيدة.
(...)

أدى إرتفاع وتيرة الهجوم السوري على الأشرفية إلى شَلّ حركة الآليات غير العسكرية، ما إنعكس خلال مدة قصيرة إنقطاعاً في المواد الغذائية الأساسية، وأدى إلى تضرر شبكات المياه، والكهرباء والهاتف وإنقطاعها عن العمل جزئياً أو كلّياً.

كذلك، أصبح الإنتقال بالسيارة إلى خارج المنطقة محفوفاً بالمخاطر، هذا إن توفرت مادة البنزين.

"رامز رايح صوب لْ (حِكمي) تَ يعبّي مَيّ" أرسَلت أنجيل (Angele) الخبر لِمريم مع "فَريدي".

"نجاة، نجاة، فَضّي لْ بائيين منل غالون بالطشت يّلي ع بلاطة لْ مجلا. رامز رايح يعبّي مَيّْ."

فَريدي وأختها Julie، كلتاهما vieilles filles، كانتا تقطنان، بالإضافة إلى "مِرْيانا" مدبرة المنزل، في الطابق الأوّل فوق بيت مريم، وقد أمضتا حرب المئة يوم بين منزل "سِتّي" والملجأ عند أنجيل؛ أنجيل معتوق، جارة العمر، كانت تقطن هي وإبنها رامز في الطابقة الأولى من المبنى المقابل في الشارع الممتد بين مدرسة رهبات العائلة المقدسة -عبرين وجنينة مار نقولا.

"خِدي مَعِك لْ فَرد." أضافت مريم.

كانت بعض الشائعات عن تسلل عناصر من المرتزقة الليبيين والصوماليين إلى داخل الأحياء قد أثارت موجة من الخوف لدى السكان، وهم لم ينسوا بعد أشكالهم وأفعالهم خلال حرب السنتين.

لم يكن السلاح أمراً طارئاً على بيت أبو عبدالله. فسعيد أبو عبدالله (جدّي) وأخوه عزيز كانا من تجّار الأسلحة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، منذ أن كانت العائلة تسكن في منزلها في ضيعة كفرمتى. ولا زالت نجاة تذكر كيف أيقظ سعيد أولاده السبعة وزوجته في ليلة خريفية بعد منتصف الليل لنقل عدد من البنادق والمسدسات إلى مخبأ آمن بعد أن وردته أخبار عن تحرّك دوريّة من مخفر عاليه لمداهمة منزله. أما السبب وراء ذلك فكان إنتقاماً منه بسبب إشكال مع أحد عناصر المخفر خلال الإحتفال بعيد إنتقال السيدة العذراء قبل ذلك بأسابيع. فبعد إصرار العنصر (والذي ترك السلك لاحقاً وأصبح كاهناً في إحدى رعايا المتن الشمالي) وبنبرة تخلو من التهذيب على توقف المحتفلين عن قرع الجرس، هجم عليه سعيد وإنتزع منه بندقيته الأميرية وكسرها على حجر الجرس.

منزل الأشرفية بدوره، وبعد عقودٍ على تلك الليلة، لم يكن يخلو من السلاح: مسدس 9 ملم، وبندقية carabine؛ هما كل ما تبقى بعد أن أخذ كل من وديع، أنور وبديع أسلحتهم منذ إنتقالهم إلى منازلهم الزوجية. أما زاهي، فكان قد ترك لبنان قبل إندلاع الحرب عام 1975 للعمل في السعودية. ومنذ إندلاع حرب المئة يوم، قامت نجاة ومريم ورامز (ببندقية الكلاشينكوف التي كانت بحوزته) بالمراقبة وحراسة الشارع مداروةً من مداخل وشرفات بنايتيهما.

(...)

"ليش طَوَّلتو يَمّي؟ نشغل بالي عْلَيكي. شو جايبي معِك؟"

"مَرئنا لَ عند لْ مرا لّي بْتِخبز ع الصاج ع سطح لْ بنايي لّي ورا "مار متر" حَدّ مطعمBoubouffe . شفنا ما في عندا عجئا ع الدرج، ئلّي رامز هات لَ نجيب خبز. خيّي وعيلتو تاركين بيتن ع طلعة "السَييدي" ونائلين لَ عنّا عل ملجا بكرا."
(...)

"يمكن كان لازم بئينا عند أنجيل بل ملجا" قالت مريم فيما كانت القذائق تتساقط على الحي كحبّات البرد.

"شو تخمين كِنتي عارفي وئِلتي لأ؟!" رَدَّت نجاة.

"لَه، بس إنّو. لْ ئَصْف عم يِئوا يوم عن يوم، وشكلُن ولاد لْ كَلب مش ناويين يوَئّفو. ألّلا يكَسِّرلُن إيدَيُن." تابعت مَرْيَم وهي تراقب لهبة النار الصغيرة عند طرف الشمعة.
"بعد عِنا شَمع؟"

"إيه. بائي تلات شمعات من هيدي ل paquet، وفي وِحدي مختومي."

كان حمام المنزل، حيث دار الحديث، البقعة الأكثر أماناً فيه. فبالإضافة إلى الطبقات التي كانت تعلو سقفه - كون البيت يقع في الطابق الأرضي - فهو محاط من جميع الجهات بحيطين أو أكثر، وكان ملاذ مريم ونجاة عند إشتداد القصف. لكن الحالة هذه لن تدوم بسبب إرتفاع وتيرة المعارك وإستهداف الأشرفية بآلاف القذائف والصواريخ، فهما ستنتقلان بشكل شبه نهائي إلى الملجأ الواقع في أسفل المبنى المقابل، عند أنجيل.

"مدري وين بيكون أنور هلّئ!" قالت مريم بقَلَق. "ولِك أخ ع أنور!"

أنور"ئلب لْ أَسَد" كما قال سامي خويري خلال تكريمه من قبل حزب الكتائب اللبنانية كان ثاني أخوته وأخواته. أتقَن إستعمال السلاح وفن الملاكمة منذ كان شاباً، وأصرَّ على تدريب أخواته.

"كان يصفّلنا سنانير ل crochet تبع إمّي ع الشوار، وممنوع نفوت أنا ورمزا ومُنا عل غدا ئبل ما نصيبن ب بارودة ل خِردئا" تستذكر نجاة.

"وين بدّو يكون يعني؟" أجابت نجاة، "مع الشباب عَ شي متراس. ئولي مدري شو عم تَعمِل مارغو هلّئ!" أَردَفت ممازحةً في محاولِة للتخفيف عن أمها.

"بَس كَ نجاة، هلّئ وئت مَزح؟" أجابت مريم وهي تحاول عَبثاً كتم ضحكتها. "بيكون بيار فاتحلا جبها بل بيت". وضحكت.
(...)

(يستند هذا النص إلى ذكريات ومشاهدات أمّي نجاة أبو عبدلله (الخوري عوّاد)، وبعض الأصدقاء ممن عاشوا حرب المئة يوم ساعة بساعة في حي عبرين في الأشرفية. الأشخاص حقيقيون، كذلك الوقائع. يبقى أن سردها والربط بينها مُتَخيّل، بما يتوافق والسياق العام لتلك المرحلة).

للاستماع الى "audios" الرجاء الضغط على الكلمات باللون الازرق.
ستي مريم
خالي أنور
نجاة وأنور أمام منزل العائلة في كفرمتى - 2008
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
منصوري يكشف سبب تأخر المصارف بتطبيق القانون 166 9 بعد الإعتداء على محامية وتحرُّك القضاء... إليكم ما فعله الزوج! (فيديو) 5 بعد تغريدة أشعلت المملكة السعودية... وهاب "مُحاصر" بالشائعات! 1
كمينٌ مُركّب لحزب الله... إسرائيل تستخدم ساتر دخاني لسحب الخسائر! 10 إنخفاضٌ في أسعار المحروقات! 6 بلبلة في صفوف قوة الـرضوان والسيّد يتدخل شخصيًا... يا ويلكن ويا سواد ليلكن! 2
إهتمام قطري بآل الحريري 11 "إلغاء تعميم الـ 20 مليون ليرة"... بيان من "الضمان" 7 الساعات القادمة حاسمة... تحرّكات "مفاجئة" تلوح في الأفق! 3
جلسة التمديد تفضح علاقة باسيل بأعضاء كتلته… نائب يتحول إلى ساعي بريد 12 الحلبي يعدّل عطلة عيد الفصح الأرثوذكسي 8 إلى القوات وحلفائها… حان وقت الإستقالة 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر