Beirut
16°
|
Homepage
المبادرة الفرنسية في خبر كان...
عبدالله قمح | الثلاثاء 22 أيلول 2020 - 1:07

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

بدأ التذبذب الفرنسي يطبع مقاربة "المبادرة الماكرونية". هذا المسار شدّ الانتباه إليه مع بدء سريان مفاعيل العقوبات الاميركية إذ إنتقلَ الفرنسيون من موقع الحرص على مبادرتهم والدفع باتجاه تحقيقها ضمن المهلة المحددة، إلى موقع إتاحة الفرصة أمام اللبنانيين لاستثمار المبادرة، مما أثر سلباً على المهل المعينة وطيّر مفاعيلها.

لا بدّ أن هذا التذبذب هو الذي قادَ معظم المعنيين بأمر التأليف إلى التشدّد في مطالبهم. هم يدركون، ان المبادرة الفرنسية ما هي الا مبادرة من دون وجود آليات تطبيقية ترعى حسن سيرها، وكناية عن ضغوطات سياسية فقط مورست بطريقة غير متزنة، ما مكّن جانب من المعنيين بعملية التأليف من ترويض المبادرة.


لقد مرّ أسبوع ويوم على موعد إنتهاء المهلة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولم يحصل شيء، لا حكومة شكلت ولا عقوبات فرضت، بل على الاعم الاغلب نحن أمام سيناريو تمديد متلاحق ومتتالي يعكس نماذج التمديد اللبنانية.

أكثر من ذلك، اتضحَ ان الفرنسيين قد تقمصوا منطق الحلول اللبنانية. منذ أن جرى تمديد المهلة الاصلية 48 ساعة (تم تجديدها لثلاث مرات متتالية على الأقل)، نشط الفرنسيون على خط تطييب خواطر بعض الكتل السياسية بحثاً عن حلول لعُقد مختلفة منها عقدة المالية. شيء من هذا ساهم في افراغَ المبادرة الفرنسية من محتواها الذي بُني على تهديد في حال لم يجرِ اعتماد البنود الفرنسية كمسار للحل.

مع ذلك، يتضح أن ثمة توجّه يتبنّاه جزء من الادارة الفرنسية المعنية بالملف اللبناني، يتيح الفرصة أمام أدوار العقوبات الأميركية والعمل على تراكم نتائجها وسط مؤشرات تفيد بأن واشنطن تميل إلى توسيع تصعيدها في المجال اللبناني خلال الفترة القصيرة المقبلة، والمطلوب إظهار تأييد لجانب من العقوبات المتوقع صدورها في أحد الخميسين المقبلين، وفيها إشارة قد تكون تلمح إلى "عين حمراء فرنسية" علها تفيد في دفع المعرقلين على اختلافهم إلى إعادة "تقليم" طروحاتهم.

لكن في تبنّي مثل هذا الخيار رهان على سراب ومخاطر على صورة فرنسا السياسية، إذ أن الفريق المقابل ضمن نفس الادارة لا يريد إظهار باريس على أنها ملحقة أميركياً في ما له صلة بالملف اللبناني، وهذا يقودهم إلى تبنّي وجهة نظر أخرى مختلفة كلياً تقوم على طلب إدخال تعديل محدود على موعد صدور العقوبات المفترضة.

على الرغم من كل ذلك، لم يعِ الفرنسيين بعد جوهر المشكلة اللبنانية العالقة حالياً. صحيح أنهم يسعون وراء حكومة مصغرة ذات مهمة إصلاحية محددة، لكنهم يتجاوزون كتلة التعقيدات اللبنانية وأفخاخها غير آبهين بمخاطرها. ففي بيروت، لا يمكن تمرير حكومة معدومة الميثاقية أو مؤلفة باعتماد منطق النكاية والاكراه، بل لا بد لهم من اعتماد جسر التوازنات، وهو ما لا يلتفتون إليه.

المشكلة التي علقت بها فرنسا منذ أن مدت يدها إلى "العُبّ اللبناني"، ان من بين المشتغلين على الملف اللبناني لدى إدارتها، فئة تناصب العداء لفريق أساسي من اللبنانيين، يعود ذلك إلى فترة عملها في لبنان. هذا الأمر يكاد يحول فرنسا إلى جزء من المشكلة لا الحل وبالتالي يعقد الامور أكثر، بل أن ثمة جانب سياسي بدأ يرمي بتهم التعطيل على هذا الجانب بالذات، لشدة ملاحظته للميول الفرنسية التي تبقي على قدرة التأثير الداخلي الحقيقي جانباً.

أكثر من ذلك، هناك من حاول لفت عناية الفرنسيين إلى هذا الواقع وضرورة الالتفات إليه لكن دون جدوى. صحيح أن الثنائي الشيعي بصفته معني بالعرقلة الحكومية الحالية، قد أعلن الرغبة والتأييد لخطوات المبادرة الفرنسية وابدى حرصاً عليها، لكنه في المقابل متوجس منها، نظراً لطبيعة من يديرون هذا الملف في الاليزيه تحديداً، ولولا الالتفافة التي حظيَ بها حزب الله من جانب الرئيس الفرنسي مثلاً والاهتمام النابع من الدبلوماسية الفرنسية في بيروت، لكان يقف حالياً على يسار المبادرة مبدياً عدم ثقته بها.

هذا الخلل البنيوي في المبادرة الفرنسية سببه جملة عناصر، وهو قد أعاد فتح المجال أمام دخول حيوي أميركي – سعودي واسع. لوحظ ذلك من خلال مواقف الرباعي السني. أكثر من طرف معني بالتأليف بدأ يُلاحظ إبتعاد عضوين على الأقل عن جوهر المبادرة الفرنسية. الأول يسبح طمعاً في استمالة السعودية واستثمار مردود مواجهة الثنائي الشيعي في تأمين ظروف العودة السياسية إلى حضن الرياض، والآخر يبيع الاميركيين من كيس رؤساء الحكومات طمعاً في حجز موقع مؤثر له في التركيبة العميقة الجاري ترتيبها، بل يطمح أن يكون "صانع رؤساء حكومات" وهو ما يعمل على تسويقه حالياً.

بخلاف كل ذلك، زاد الإيمان لدى جانب لبناني بالمبادرة الفرنسية. هذا الدافع يقود اللواء عباس إبراهيم إلى التحرك على أكثر من جبهة طمعاً في تأمين اتفاق على حكومة. في الأيام الماضية طُرح أكثر من سيناريو، لم يجرِ التأكّد بعد من إحتمال ضلوع إبراهيم في اكتشافاتها. الأمر الأول يتمثل بالطرح على عين التينة مبادلة المالية بتمثيل ماروني من كتلة التنمية والتحرير نفسها، وكانت الاشارة إلى تسمية النائب ابراهيم عازار أو من يقترح تسميته. رفض المقترح من جانب عين التينة لظروف الميثاقية نفسها.

الاقتراح الثاني قام على قاعدة تجيير حقيبة المالية إلى رئاسة الجمهورية على أن تتبنى الاخيرة التسمية "تحت سقف الثقة مع الثنائي"، لكن الأخير طلب إعترافاً بأحقيته بالحقيبة قبل أي شيء آخر. رفض الطلب، ما قاد الثنائي إلى الرفض بالمقابل.

الاقتراح الثالث، قام على وضع الثقة برئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب ليتولى وزارة المالية ثم يعين بالمقابل وزير دولة "شيعي" للشؤون المالية، في تكرار للوضعية التي اتبعها الرئيس الراحل رفيق الحريري حين تولى المالية مع الاخذ في الاعتبار انه لم يعين شيعياً للشؤون المالية وقتذاك. أجهض الاقتراح بدوره، وإنضم إليه إقتراح آخر قام على تسمية الثنائي لوزير مالية "سني" من جو اللقاء التشاوري.

أمام كل ذلك، أصبحت المبادرة الفرنسية التي ولدت على نية إنقاذ لبنان بحكم منتهية الصلاحية وتحتاج إلى من ينقذها، وسط همس بدأ يتردّد في صالونات سياسية يستشف منه أن المبادرة قد إنتهت عملياً وما يدور حالياً على الساحة السياسية ما هو إلا "ترتيب مسرح قبل حلول تشرين".
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
الإثنين يوم مفصلي... هل يحمل البشرى؟! 9 عملية للحزب في عمق اسرائيل... صقور متفجرة تدك القاعدة العسكرية الأكبر! 5 طائرة تهبط في مطار بيروت وعليها عبارة "تل أبيب"! 1
رواتب القطاع العام في خطر هذا الشهر! 10 "المخابرات السورية تتواقح في لبنان"... إيلي محفوض يكشف عن مؤامرة خبيثة تُحضر! 6 "الإتفاق حصل"... بو صعب سيبلغ بري بهذا الأمر! 2
"بسحر ساحر تتصل غادة عون"... اليسا تستنكر: "هيدي بأي بلد بتصير"! 11 الرواية الحقيقية لـ "إنفجار دورس"! 7 صوت قوي "يوقظ" سكان الجديدة... ماذا حصل عند "ABDO"؟! (فيديو) 3
مرة جديدة... الجيش الإسرائيلي يستهدف بعلبك! (فيديو) 12 نائب يودّع العزوبية بعد أسابيع! 8 أرسل صوراً لـ"القبة الحديدية"... هكذا خدعت طهران جندي إسرائيلي! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر