"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى

وضعت أوساط سياسية متابعة، زيارة رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، لغبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في إطار الصراع المفتوح ما بين الأول والرئيس المكلّف سعد الحريري، خصوصاً أن العلاقة بين العهد والصرح البطريركي في بكركي تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة، جراء مواقف البطريرك التي يعبّر عنها في عظاته وفي تصريحاته المناهضة للعهد والتي تتناقض معه، في ضوء تأكيده الدائم وحرصه على تشكيل حكومة، وبالتالي، تحميل سيد بكركي بشكل واضح مسؤولية استمرار الفراغ لفريق العهد.

ولفتت الأوساط، إلى أن الزيارة أتت مُستغربة في هذا التوقيت، الذي أراده باسيل من أجل أن يوجّه رسالة للحريري، عشيّة لقائه الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس وللفاتيكان، مفادها بأن ما يقوم به الرئيس المكلّف، يتنافى مع المصلحة المسيحية، وبالتالي ليس هذا هو الموقف المطلوب منه، كما أن استقباله غير مرحّب به. وقد عمد باسيل عن سابق تصوّر وتصميم، إلى تعميم أجواء مفادها أن الحريري يتقصّد تغييب المسيحيين عن التشكيلة وإقصاء رئيس الجمهورية وضرب دوره، وأن البطريرك وافقه على هذه الأمور.

وفي هذا الإطار، تنقل الأوساط عن مصادر كنسية قريبة من بكركي، نفيها القاطع لما يشاع عن موافقة البطريرك على طروحات باسيل ومواقفه هذه، كما تشديدها على أن غبطته، يؤكد باستمرار تمسّكه بقيام حكومة من أخصائيين مستقلّين، وأن الأولوية هي لتشكيل الحكومة بعيداً عن كل الترسيمات والمطالب الأخرى التي يتمسّك بها "التيار الوطني الحر".

وأوضحت الأوساط، أن باسيل يدرك جيداً موقف بكركي هذا الذي يتناقض معه بشكل كلي، إلاّ أنه لا يأبه لأي اعتبار أكان في الشكل أم في المضمون، طالما أنه في صدد القيام بخطوة ما تخدم غرضيّته في الصراع المفتوح مع الحريري، لذا أراد في موازاة الرسالة الموجّهة للفاتيكان، أن يوجّه رسالة للأخير مفادها أنه يعمل على تطويق مفاعيل زيارته الفاتيكانية، وأنه لن يألو جهداً في منع الحريري، من تطويقه كنسياً إن عبر الفاتيكان أو بكركي.

وأشارت الأوساط، إلى أن باسيل أراد التحرّك سريعاً كي لا يُطوّق في ضوء مواقفه التي تتناقض مع مواقف البطريرك، كما أنه عمد لمراسلة الحبر الأعظم عبر السفارة البابوية، ولم يُفلح في مراده من الرسالة التي كان من شأنها أن تقدّم له نقطة إلا أنها أُخذت منه، باعتبار أنه قام بذلك من دون علم البطريرك الذي عبّر بشكل واضح عن مآخذه على هذه الخطوة شكلاً ومضموناً، كما أنه، كان لافتاً أنه، وبالرغم من إقدام باسيل على خطوة المراسلة المذكورة، إلا أن الفاتيكان رفض استقباله واستقبل عوضاً عنه الحريري.

وأشارت هذه الأوساط، إلى أن الفاتيكان بطبيعة الحال، لا يدخل في صراعات نفوذ سياسية محلية، وبالتالي، فإن استقباله للحريري، يدخل ضمن سياق استقبال شخصيات لديها دور على مستوى الإعتدال السنّي في لبنان والعالم العربي، وهذا الدور الذي يلعبه الحريري الإبن اليوم، يشكّل استمراراً للدور الذي كان يلعبه الرئيس الشهيد رفيق الحريري على هذا المستوى، بحيث كانت له علاقات متينة مع الفاتيكان، والتي من المؤكد أنها لا تدخل في تفاصيل داخلية، إلا أنها في الوقت عينه ترفض إبقاء الوضع في لبنان محجوزاً ومصادَراً بالشكل القائم اليوم، ولهذا السبب تعتبر أن المسؤولية ملقاة بشكل أو بآخر على الفريق الذي يعرقل الإنقاذ.

وذكّرت الأوساط، بأن باسيل في الآونة الأخيرة، لم يقتصر تناقضه مع بكركي على الموقف من الحكومة، بحيث أن البطريرك حمّله بشكل واضح المسؤولية عن العرقلة، وإنما تناقض مع غبطته في رفضه المؤتمر الدولي والدعوة للحياد، وقد حاول الإلتفاف على هذا الطرح، كما أنه يتناقض مع الراعي، في ما يردّده باستمرار الأخير عن العودة إلى لبنان سويسرا الشرق، بحيث أن دعم باسيل لـ"حزب الله" وتغطيته لهذا الواقع يحول من دون تحقّق هذا المراد للبطريرك لإعادة إحياء لبنان، لذلك تندرج هذه الزيارة في سياق المماحكات السياسية، وجلّ ما يريده منها باسيل، هو القول للفاتيكان أن الشخصية التي تستقبلها تضرب دور المسيحيين وحقوقهم في لبنان من جهة، وللحريري بأنه كان وسيبقى له بالمرصاد ولن يتركه وشأنه في أي خطوة يقوم بها أياً تكن هذه الخطوة من جهة أخرى.