"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

فلسطين دولة ممحيَّة على الخريطة عند الغرب. كُتُب الأطلس هناك تصوّر للأطفال أن هناك دولة مُحِبَّة للبشر اسمها اسرائيل. دولة من دون حدود. الدولة الوحيدة في العالم التي لا يحدها من الشمال شيء ولا من الجنوب ولا من الشرق والغرب. دولة حدودها التوسع. دولة لا دستور تحتكم له لأن زعرانها مختلفون عما اذا كان يجب ان ينبثق الدستور من التوراة أو من التلمود أو من الكنيست. بالرغم من كل شيء في كتب الغرب وخرائطه إسرائيل دولة!

الكلّ مهتمٌّ بدعم حقِّ اسرائيل في الدفاع عن نفسها. الحق في اعتبار كل من لم تشرق عليه نجمة داود حيوانًا أليفًا يجوز استعباده أو قتله. اسرائيل تدافع عن نفسها في مواجهة هجوم أشلاء الأطفال عليها. الغربُ يدينُ هجوم الأشلاء وينصر دفاع إسرائيل عن نفسها.

وَجُبَ تطهيرُ ضميرِ الغرب بالتِّنِر. إزالَةُ كلِّ طلاءِ الساميَّة المزيّفة وهي نسخةٌ منقَّحَة عن النازية. أفضلُ أنواع التِّنِر لتنظيفِ ضَمير الغَرب. حملةُ تنظيفٍ فكريٍ هناك وليس مقاومةً عسكريةً فقط في أرض فلسطين. في هيكل الغرب طبقاتٌ سميكةٌ من الصهيونية. هناك يجبُ الحفرُ عميقًا. حَفُّ الأَساس. إزالةُ البُقَعِ ثم الطلاءُ من جديد.

التحَدّي مُخيفٌ لأنَّ شخيرَ العربِ يُسمَعُ عاليًا منذ خمسٍ وَسَبعينَ سنة. في الوقت الذي كان يتنظَّمُ فيه اللوبي الصهيوني في بريطانيا منذ مئة عامٍ وأكثر لاستقطابِ صُنّاعِ الرأي في السياسة، كان العربُ مهتمّينَ بالمَنسفِ والجِنس. الأوَّل للبُطون والثاني لما تحتها. اللوبي كان وما يزال ماركة صهيونية. رشّ الدولارات على صدور الراقصات كان وما يزال اللوبي العربي. حوالَي مليونَي جندي من الدول العربية والاسلامية صاروا بلا فائدة تُذكَر. عُقمٌ في تناسل العقيدة وبروستات يمنعَ انتصاب كرامتهم.

تابعوا ثقافة الغرب اليوم. الحكومات والمؤسسات الدولية والناس مهتمة بِحقوق المثليين وزواجهم. بحريَّة اختيار جندرية ضد الطبيعة. بالتراث الثقافي والحضاري لأوكرانيا. بالتعليم عن بُعد. بالتعددية الثقافية. بالبيئة الخضراء. بعدم انقراض نمور أفريقيا وحيتان الأطلسي. بتفادي كَربَنَة الهواء. قصف المستشفيات ودور العبادة ودفن الأطفال تحت الركام آخر هموم الغرب. إذا أتى على ذكرها أحد فمن باب رفع العتب ودون إدانة إسرائيل وبمساواة القاتل بالقتيل.

ما زلنا في بداية الطريق الوعرة. الغرب متصحر أخلاقيًا بالرغم من أنه أنجبَ مونتسكيو وڤكتور هوغو وكانط وهيغل وشكسبير. الغرب قليل التربية ويكاد يكون بلا أخلاق تمامًا. أوروبا التي درسنا في جامعاتها واتقنّا لغاتها كتابة وقراءة وتواصلًا لا تريدُنا. عروبتنا لوثة وتهمة بالنسبة لها. نتهم اسرائيل بالعنصرية فإذا بإسرائيل تلميذة مبتدئة بالمقارنة مع اوروبا. قلة من المفكرين والسياسيين الاوروبيين يؤمنون ان فلسطين وطن الفلسطينيين. هم مقموعون في بلدانهم وبالكاد يُسمَحُ لهم بالهمس.

إذا جهرتَ بكل هذا يُتَنَمَّر عليك. الرواية الإسرائيلية هي الصحيحة ولا تَخرُم أبدًا. في قصة ليلى والذئب الكل يتبنى النظرية الإسرائيلية. حق الذئب في الدفاع عن نفسه أمام ليلى. ليلى هي الإرهابية. لذلك ينهش الذئب جسد ليلى وسط تشجيع العالم. لن يقاطعوه قبل أن ينهي وجبته.

لا تنسوا أوكرانيا. قرأت الشعار هذا على أكشاك انتظار باصات النقل العام في شوارع باريس منذ أيام. "حماس منظمة ارهابية ويجب استئصالها". أغلب شوارع باريس تقول وراء رئيس فرنسا أن قتل الأبرياء الإسرائيليين إرهاب وجريمة حرب. إطلاق سراح "الرهائن" الإسرائيليين من دون قيد أو شرط. السويد أُحرِق فيها القرآن بإذن السلطات المحلية. يا لها من مفارقة. ألفرد نوبل السويدي الذي اخترع الجائزة التي تحمل اسمه هو أيضًا مخترع الديناميت. إصبعان منه كافيان لتفجير ضمير أوروبا.

نحن في نفق المواجهة وهي على وشك الاندلاع. لن تنتهي حرب الهمج على فلسطين في غزة. غزة البداية وعلينا ان ننتظر سنوات بعد قبل انبلاجِ فجر فلسطين. أمّا الذين يريدون ملاقاة الإسرائيلي بباقة ورد أو بغصن زيتون فهم أحرار لكنّي أقسِمُ بأني لم أشاهد في حياتي يومًا أعناق الأزهار تنتصر على حوافر الأبقار.